دكتور / مهدي محمد القصاص
مقدمة :
ويتضمن ذلك أن الهوية ( التي هي في أساسها بحثا لمعني الفرد في علاقته بذاته وبالمجتمع ) لم تعد تتسم بالثبات وهو الأمر الذي يتناقض مع الأسلوب الذي كان يتم عرض الهوية من خلاله قبل انتشار موضوعات العولمه بالشاكله التي هي عليها الآن . ففي ظل الظروف الاجتماعية – الثقافية المعاصرة ، صار الفرد مجبرا علي البحث المستمر عن هويات جديدة ، فلم يعد بمقدوره التمسك بهوية واحدة لفترة طويلة من الزمن وإذا أردنا الإطلاع علي هذه الهويات و المفاهيم لا بد أن ننظر إلي التغيرات الخارجية في العالم التي تعزر مثل تلك التحولات في الإطار التنظيري للهوية ، إذ أنها ليست ظواهر معزولة بأي شكل من الأشكال بل علي العكس فهي مرتبطة ومتأثرة بالخارج الذى يتجاهل تلك الهوية ويوفر الظروف لتواجدها في الوقت ذاته
فكرة الدراسة :
تنطلق فكرة الدراسة من أن هناك العديد من التيارات التي تربط الإنسان المصري بوطنه وعروبته وأفريقيته ودينه. حيث يلتقي المفكرون علي أن من أبرز سمات الفكر المصري المعاصر التنوع إلي الدرجة التي تصل به ، في أحيان كثيرة إلي تناقض وصراع. حيث تتنازعه تيارات فكرية شتي سواء منها ما كان معلنا أو ما كان خفيا ، وسواء منها ما أعطي حق الممارسة أو لم يعطه . فهناك التيار الوطني البحت الذي يشد الإنسان المصري دوما إلي تراثه المصري القديم ، مبرزا فرعونيته علي غيرها . وهناك التيار القومي الذي يربط الإنسان المصري بالمنطقة العربية التي يتوفر بين دولها من مقومات التشابة أكثر ما يكمن فيها من عوامل الاختلاف . ثم هناك التيار الأفريقي الذي يصل بين الإنسان المصري وأخيه في أقصي أطراف القرن الأفقي . وفوق كل ذلك, هناك التيار الديني الذي يربط بين المصري وأشقاء له علي أساس من العقيدة الإسلامية .
ما المقصود بالهوية الثقافية وما عوامل تشكيل وجودها و التحديات التي تواجهها في ظل العولمة ؟
أولا : مفهوم الهُوية الثقافية :
قُدمت للهُوية الثقافية تعريفات كثيرة من زوايا مختلفه وسوف نعرض نماذج من هذه التعريفات :-
· " الذات " النفس" و" الشخص" ، يقال في الأدب نقد ذاتي يرجع إلي آراء الشخص وانفعالاته وهو خلاف الموضوعي . أما الهوية " بضم الهاء وكسر الواو " في الفلسفة ، حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره . تعني الذاتية " أو الهوية " تماثل المقومات أو الصفات الأساسية في حالات مختلفة وظروف متباينة . إنها تعني التماثل في كل ما يكون الحقيقة الموضوعية لشيء ما ، إنها التوحد . إن الذاتية هي الشكل التجمعى ، أو الكل المركب ، لمجموعة من الصفات التي بواسطتها يمكن ، علي وجه التحديد ، تعريفه أو تميزه ( 1 ) 0 وإذا ما كان التوحد identification هو العملية التي يتكون الكائن الإنساني من خلالها باعتبار التوحد أول رباط عاطفي ، فإن الهوية هي وحدة الأنا ( الذات ) وأساسها . فهوية الأنا Ego تعني ذلك الإحساس الأنوي بأني أنا هو أنا في كافة الأحوال والأزمنة . وهي في الآن نفسه ما تميز الأنا عن غيرها من أنواع 0فالهوية كمبدأ فلسفي تعبير عن ضرورة منطقية بعينها تؤكد أن الموجود هو ذاته دوما لا يلتبس به ما ليس منه . فهو عين ذاته كما تقول الفلسفة (مبدأ الهوية identity principle) . فالشخص هو مهما اعتراه من تغيرات . الأمر الذي يشير إلي أهمية إدراك العمليات اللاشعورية و التسليم بها . ذلك أن الإنسان إذا ما كان هو فإن إصابته بالمرض تظهر تغيرا يشير إلي ما كان خفيا وكامنا فيه . وكان هذا التناقض البادي للعيان لمريض لا ينطبق علي نفسه مغالطة مستحيلة ، مما يدفعنا للقول بأن جماع تلك العبارة التي تري أن الإنسان مما ليس هو . وهو ليس ما هو يتضح في أن الإنسان إنما هو بمجمل شعوره ولا شعوره . ذلك اللاشعوري الذي يلعب دورها أساسيا في نشأة الهوية بقدر ما يطور معني الهوية ذلك الأنا ( 2 ) .
· ولقد قُدم تعريف الذاتية الثقافية في دليل عمل العقد العالمى للتنمية الثقافية 1988/1997 والذي أصدرته اليونسكو ، وهو أن : " الذاتية الثقافية تعني أولا وقبل كل شيء تعريفنا التلقائي بأننا أفراد ننتمي إلي جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية بما لها من قيم تميزها ( أخلاقية ، جمالية …إلخ ) ويتضمن ذلك أيضا الأسلوب الذي نستوعب به تاريخ هذه الجماعة وتقاليدها ، وعاداتها وأساليب حياتها وإحساسا بالخضوع و المشاركة في أو تشكيل قدر مشترك ، وتعني : الطريقة التي تظهر فيها أنفسنا في ذات كلية حيث نري انطباعاتنا الخاصة بصفة مستمرة ، مما يمكننا من بناء شخصياتنا من خلال التعليم و التعبير عنها في العمل الذي يؤثر بدورة في العالم الذي نحيا فيه . وعلي الرغم من أن الذاتية الثقافية لا تتأكد بالضرورة علي هذا المنوال ، وعلي الرغم من أن أشكالها وتكويناتها قد تكون غير واضحة ، إلا أنها تعد بالنسبة لكل منا كأفراد نوعا من المعادلة السياسية التي تقرر ، بطريقة إيجابية أو سلبية ، الطريقة التى تنتسب بها إلي جماعتنا وإلي العالم بصفة عامة ( 4 ) .
أما تحديد الهوية داخل الجماعة و الصراع بها فينبثق من دراسة الذات self في سياق اجتماعي ويكون له معاني تحليلية متعددة للكشف عن الشمولية التي تحدث علي مختلف المستويات التي قد يدخلها الفرد في هويته الفردية علي المستوي الإجتماعي علي أنها نوع من الشمولية العرقية ethnic hostility وقد يعمل توفر الهوية في كل جماعة من الداخل علي تعزيز عنصر الشمولية والمنافسة بين الجماعات ، كما أنه قد ينظر إليه من قبل الأمم العصرية علي أنـه عنف مسلح ( نزاع مسلح )
وتُعرف هوية الجماعة المتماسكة in-group على أنها مجموعة من الصفات التي تجمع بين أفراد الجماعة الواحدة وتميزهم عن غيرهم ممن يقع خارج نطاق تلك الجماعة أما الهوية الاجتماعية social Identification فهي عملية وجدانية تيسر من الارتباط بالجماعة ، فهي تشتمل علي درجة من الترابط تجعل الجماعة أم للفرد والفرد جزءا من تلك الجماعة وهذا التكامل و التبعية يشكل أساس الرؤية الإيجابية للجماعة والرغبة من جانب الفرد في التوحد معها واعتبار ذاته جزءا منها وعضوا فيها . ويؤدي ذلك بالتالي إلي الشعور الإيجابي بالذات و التقدير الذاتي .
وتفسر نظرية الانفصال الاختياري السبب الذي يجعل الأفراد يختاروا الانضمام لجماعة ما فهي نصف حالة من العمليات المعرفية والانفعالية يتحكم فيها حافزان قويان هما :الحاجة للانتماء و الحاجة للتميز والاختلاف ( 5 ).
· الهوية إذن هي ذات الشيء بحيث إذا انتزعت منه افتقد شخصيته ، ولذلك فإن الهوية تعني الشيء ذاته ، المجتمع ذاته الأمة ذاتها فإذا انتزعت منها صارت شيئا آخر . هذه الهوية لم تشكل بصورة لا تاريخية بحيث إنها أتت دفعة واحدة ، وإنما تشكلت تحت تأثير ثلاثة سياقات :-
- سياق اجتماعى : ويعنى أن البشر فى مجتمع ما ، هم الذين يصنعون هويتهم وهم فى الوقت نفسه حصيلة هذا الصنع ، والهوية لمجتمع ما تتأسس فى هذا المجتمع بعلاقاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية والدينية ، كل هذا المركب من العلاقات يفضى شيئا فشيئا مع التطور التاريخى إلى تكوين هوية بشرية .
- سياق تاريخى : يتشكل في مجتمع ما يتحرك ويكتسب أبعادا جديدة بحيث يمكن القول بأن للهوية القومية أو الوطنية أو الدينية أو الأخلاقية تاريخا ، ومن ثم لا تنشأ دفعة واحدة وهذا يعني أن الهوية ظاهرة تاريخية لا تنشأ مرة واحدة ، و الهوية تتعرض لتغيرات واسعة النطاق لكن هذه التغيرات تبقي في حدود محيطة بهذه الهوية ذاتها .
- سياق تراثي : فهويتنا نحن العرب المعاصرين الآن ليست هوية تم إنتاجها في مرحلتنا الراهنة فحسب ، ولا في سياق التطور التاريخي فقط ، وإنما أيضا هي في إطار تراثنا العريق ولذلك فهويتنا تمثل هذا البعد المركب الاجتماعي ، والتاريخي و التراثي . ( 6 )
وللهوية وجه آخر مكمل لها وهو الانتماء الذي يعرف بأن معني موجود داخل كل فرد وعلي اختلاف المستويات ، وهو الشعور الذي يوجد لديهم منذ الصغر ويقوي من خلال نشأة الفرد فيتكون لديهم هذا الشعور الذي يترجم لأفعال داخل المجتمع ، فإذا كانت الهوية هي عملية الإدراك الداخلية لذاتية الشخص و التي تمدها عوامل خارجية يدعمها المجتمع ، فإن الانتماء هو الشعور بهذه العوامل الخارجية و الذي يترجم من خلال أفعال تتسم بالولاء لهذه المجتمعات التي ينتمون إليها دون سواها ( 7 )
ثانيا:- مفهوم العولمة :
وللعولمة العديد من الأبعاد:- الاقتصادية ، السياسية ، الاجتماعية ، الثقافية و البيئية إلا أننا نجد هنا أن المصطلح يعود إلي نماذج جديدة من التجارة العالمية والاستثمار والمسائل المالية وبشكل أكثر دقة نجده يعود إلي مرونة التصميم والتصنيع والإنتاج علاوة علي بيع البضائع و الخدمات في كل أنحاء العالم فتقسيم مراحل الإنتاج المختلفة أو دورات الخدمات على أقطار مختلفة يشجع ويدعم التخصص وصولا للاستفادة من نظام كل بلد علي حدة . فالعولمة تعني الكفاية ( كفاية أماكن التسويق و المعايير التي تتأتي من تطبيقها ) وفي النزاع الذي نشب أثناء انعقاد اللقاء السادس للجمعية العمومية للأمم المتحدة ، فقد تم إقرار أنه لا يبدو أن كل شيء يشير إلي أن العولمة صارت أمرا حتميا لا مفر منه وهو أمر صار واقعا ملموسا ، ليس محل اختيار ويبدو ذلك من القوي الدافعة للعولمة وليست المعوقة لها إلا أنه في ظل بعض الظروف قد يكون دوره محدود . ولتلافي هذا الاحتمال فإنه لابد من الحيطة الشديدة لمسيرتها علي المستويين القومي والدولي .
إن العولمة تتجسد ملامحها في نشوء شبكات اتصال عالمية تربط جميع الاقتصاديات و البلدان و المجتمعات وتخضعها لحركة واحدة وتجسدها بشكل واضح شبكة معلومات الإنترنت ، فهي شبكة واحدة يشارك فيها الأفراد وينفذون إلي ما تنطوي عليه من معلومات وعروض بصرف النظر عن الحدود السياسية و الخصوصيات الثقافية . فالمقصود هو الدخول في مرحلة الاندماج العالمي الأعمق علي عدة مستويات فمن جهة هناك توحيد أكبر لمصادر المعلومات للعروض و الطلبات التي تقدم إلي الجمهور ، ومن جهة ثانية هناك توحيد أشمل لشبكات الاتصال وأدواته ، ومن جهة ثالثة هناك دمج أقوي لوسائل الاتصال ( 11 ) .
ويمكن أن نأخذ في الاعتبار عدة مؤشرات عند وضع تعريف للعولمة منها :-
- انتشار المعلومات بحيث تصبح معروفة لدي جميع الناس .
- تذويب الحدود بين الدول .
- زيادة معدلات التشابه بين الجماعات و المجتمعات و المؤسسات .
ثالثا – الهوية بين الوحدة و التنوع في ظل العولمة :
- الفشل في تفادي التهميش الناتج عن الاتجاه نحو العولمة - أكثر من وقتنا الراهن - حيث يتم اقصاء بعض الدول عن النظام العالمي الجديد .
- بعيدا عن أي إصلاح داخلي ، فإن غالبية نظم التدريب المهنية و التعليمية تتأثر بشكل مباشر بالاتجاه نحو العولمة بالدرجة التي تفضل ظهور مصادر تعليمية جديدة ( خاصة من القطاع الخاص ) ومداخل جديدة ( مثل حافزية المستهلك في مجال التعليم )
- وان كانت العولمة لا بد وأن تتضمن المخاطرة بحدوث الاستعمار الثقافي و التكنولوجي فلا يجب الافتراض بأن محاولات التكيف مع هذه الظاهرة تقوم بفرض تهديد حقيقي علي الهوية المحلية ( 17 )
وهنا تظهر العلاقة بين المكان و الهوية فالمكان هنا لا يشير لمجرد موقع محدد الأبعاد ، بل أنه يشير لتوليفة – إن صح أن نقول ذلك – من التفاعلات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية في مكان ما . وقد أثرت عمليات العولمة في عالمنا الحالي علي العلاقة بين الهوية و المكان بشكل جزري فعلي سبيل المثال : فقد أدي تزايد الحرك بين البشر وانتشار تكنولوجيا المعلومات وثورة التكنولوجيا الحيوية ( البيولوجية ) والتحولات الثقافية ، كل ذلك أدي إلي خلخلة الروابط بين الهوية و المكان . وتؤثر العمليات المحلية و العالمية بشكل غير محدود علي كل الظروف البشرية و النظم الاقتصادية التي تحتويها . وهذا التأثير ومن ثم الأشكال الجديدة ينجم عنها أنماط مختلفة وجديدة من الترابطات غير مسبوقة الوجود . وبطبيعة الحال ، سنري صراعا بين القديم و الحديث من العلاقات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية الذي سيتأتى عنه مزيدا من التأثير علي بناء المكان الهوية ( 18 )
فعند النظر للمجتمع الغربي ( أمريكا وأوربا ) في مراحل تطورها اللغوي و العقائدي فإننا لا نجد أننا بصدد أي مشكلات في الهوية العقائدية و اللغوية بين معظم الأقطار الغربية . ويرجع ذلك إلي اعتناق معظم أفراد هذا المجتمع لديانة واحدة في معظمها في العصور الوسطي وحتى وقت قريب عند ما بدأ يظهر التعدد الدينى و المذهبي . كما أن المجتمع في مجملة ( ونقصد بالمجتمع هنا الدول الأوربية) كان يستخدم لغة واحدة للتفاهم ، مما نجم عنه عدم وجود مشكلات هوية دينية أو لغوية (19)
أما في جنوب أسيا نجد أن موضوع الدين صار مصدرا للهوية التي تعتبر وسيلة للحراك السياسي و بالتالي مصدرا للصراع . حيث أن شيوع الهندوسية والإسلام في هذه المنطقة جعل أتباعه ومعتنقيه يحظون بقوة تدعمهم في انطلاقهم نحو قمه الهرم الاجتماعي . وبالتالي فالهوية الدينية صارت مصدر قوة في الدول الديمقراطية التي تنادي بالحرية ، فالعقيدة و الديمقراطية يمكن أن يؤدي كل منهما دورة فالعقيدة قوة روحانية و الديمقراطية قوة سياسية (20)
رابعاً : التراث الثقافى والحفاظ على الهوية :
الثقافة الشعبية فى مصر تراث له قيمته التاريخية والإجتماعية ... إنا لا زلنا نذكر حتى اليوم عديداً من التعبيرات الأدبية والمشاهد الفنية التى حفل بها تاريخنا الثقافى ، والتي كان لها تأثيرها العميق فى فكره وسلوكه . وتعتبر الأمثال الشعبية – فى حد ذاتها – تعبيراً أدبيا عن قيم سائدة ومفاهيم راسخة . ولو تعقبنا عددا من هذه الأمثال بالتأمل والدراسة ، لوجدنا أن بعضها ينطوى على معان عميقة وذكية . يتضمن كل منها إشارة إلى قيمة اجتماعية ندركها فى حياتنا ، ونشهد تكرار لها يدل على اعتقاد أصيل فيها .بقى أن ندرك أن التراث الثقافى هو حصيلة قيم سادت فى فترات مختلفة من تاريخنا ، وصياغة لمفاهيم اجتماعية ، ومشاعر مشتركة ، عرفها شعبنا ووعتها جماهيره ، ومن هنا فإن التراث الثقافى لا يمثل مصدراً للقيمة الإجتماعية فحسب ، ولكنه يمثل – فى الوقت ذاته – امتدادا لها وحافظاً عليها ( 22 ) . وبالتالى تعميق للهوية والانتماء . والهوية قد تتعدد وتتنوع حسب الهدف منها وأساس التصنيف حسب العقيدة أو المكانأو الجنس .. الخ .
نمو أو تكوين الهوية : Identity Development
- الشخص ذو الهوية المائعة أو غير المحددة : Identity Diffused person والتي تميز الشخص الذى لم يمر بأزمة هوية Identity Crisis والذى يرفض بالتالى أى التزام بمجموعة قيم ومعتقدات معينة .
- الشخص ذو الهوية المنغلقة أو المانعة : Identity Foreclosed person وهو الشخص الذى فشل فى أن يخبر أية أزمة هوية ، ولكنه نجح فى انشاء تعهد أو التزام Commitments ، وهو ذلك الشخص الذى لا يتساءل مطلقاً عن هويته Who am I ? والذى يكتسب نسق قيمه الدينية عن طريق القهر من قبل الآباء .
- الشخص ذو الهوية المؤجلة : Aperson in Identity Moratorium وهو ذلك الشخص الذى يعانى من أزمة هوية ولكن لم يستطيع التوصل إلى تعهد أو التزام بقيم ومعتقدات معينة .
- الحالة المرغوبة والتى يمكن تسميتها بالهوية المحققة : Identity achieved وتوجد هذه الحالة حال نجاح المراهق فى حل أزمة الهوية المرتبطة بأزمات النمو النفسى بشكل عام ، ونجاحه كذلك فى صنع والإلتزام بهوية دينية خاصة به
والملاحظ أن رجال الدين وقادة الشباب يدفعون المراهقين على تبنى الهوية المنغلقة أو الجامدة Identity Foreclosur عندما يخبرون المراهقين أن الإيمان أو العقيدة مطلقة الصدق والصحة وضرورة تقبلهم لكل القيم والمعتقدات الدينية دون تساؤل ، والمطلوب بطبيعة الحال أن يساعد رجال الدين والقادة المراهقين على الإختبار والفحص الناقد للعقيدة من أجل الوصول إلى قبول طوعى يُفّعل صحيح المعتقد والقيم فى سلوك إيمانى يتسق مع الجوهر الحقيقى للدين ( 23 ) .
كما تعد فنون الفولكلور التعبيرات الثقافية التقليدية التى تحافظ من خلالها الجماعة على أسلوبها فى الحياة وتنقلها للأجيال التى تليها . فهى – أى فنون الفولكلور - تعبر عن إحساس الجماعة بالجمال والهوية والقيم . وعادة ما يتم تعلم فنون الفولكلور بشكل غير رسمي عن طريق العمل أو المثل أو العادات الشفهية الموجودة بين العائلات والأصدقاء والجيران والعمال أكثر من تعلمها في إطار تربوي رسمي . ويميز الموروث الثقافي الحي وفنون التراث الشعبي أنها تربط الماضى بالحاضر . وبغض النظر عن الإحصاءات ، فإن فنون التراث الشعبي تتغير بتكيفها مع الظروف المستجدة فى حين تبقى على كفائتها التقليدية .
ديناميكيات الفولكلور :
إن الفولكلور أو حياة الجماعة ( بما فى ذلك الفنون التقليدية ، والمعتقدات ، والأساليب التقليدية فى العمل والراحة والإحتفالات والطقوس) هى بمثابة أساليب ثقافية تحافظ عليها الجماعة وتمررها فيما بينها بأسلوب مشترك فى الحياة . ويمكن تعريف " هوية الجماعة " تلك عن طريق العمر أو النوع أو السلالة أو المنطقة أو المهنة أو الحالة الإقتصادية والإجتماعية أو أى أسس أخرى من الترابط ويقول الباحث فى الفولكلور الأمريكى Ben Botkin أن كل جماعة ترتبط معاً باهتمامات عامة وأهداف مشتركة – سواء كانوا متعلمين أو غير متعلمين ، من الريف أو الحضر – نجدهم يحظون بإطار من التقاليد يمكننا أن نسميه بالفولكلور ، إلا أن كل ذلك يتم امتصاصه واستيعابه من خلال التكرار والتنوع فى نموذج يتسم بالإستمرارية ويحظى بالقيم للجماعة ككل .
ويتم تعلم كل تلك الأشكال التقليدية من المعرفة بشكل غير رسمى من خلال تبادل فردى وفى ظل إطار ضيق فى الجماعة وذلك عن طريق الأداء ( القيام بالفعل ) أو الإقتداء بالآخرين لأخذه كمثال . وفى كل الحالات ، نجد أن الفولكلور وحياة الجماعة يتم تعلمها واكتسابها لقيمتها فى ظل سياق الجماعة حيث أنها الخبرة المشتركة التى تشكل وتعطى معنى لهذا التبادل . ( 25 )
الفولكلور وخلق الهويات :
يرتبط مفهوم الفولكلور بالهوية القومية بشكل جعل الباحثين والمنظرين يجعلونه اهتمامهم الرئيس منذ أن بدأ المنظرون في القرن التاسع عشر في تحليل الثقافة الريفية وقد افترضت كتابات التراث الشعبي الأولي أن عناصر الفولكلور تعبر عن الهوية القومية وكان السؤال الدائر هو أنه بمجرد توثيق الفولكلور ، فلا بد من السعي وراء تعزيز نظرية القومية . فالفولكلور في ظل العديد من الشواهد ، يصبح مرادفا للهوية القومية والتي تقوم في الأساس علي نظم الهوية .
وعند تناول موضوع الهوية القومية في النقاش فلابد لنا أولا من السؤال عن نظم الهوية . فمن المعروف أن الهوية تتضمن التناقض والاختلاف . فقد يري البعض أنه لا هوية ( فردية كانت أو إقليمية أو قومية ) دون تناقض واختلاف بين الأشخاص و الجماعات . فالهوية ترتكز أساسا علي الفرد وكيفية تفهمنا للاختلافات المتواجدة بين الأفراد في نفس السياق . والهوية – علي المستوي الفردي و الجماعي – تقوم علي الخبرات اليومية المتتابعة . والاختلاف بين سلوكيات الأفراد عن بعضهم في الجماعة الواحدة . كما أنه لبناء الهوية القومية و الجماعية لا بد من المواجهة الواقعية للآخر .أما علي المستويات الأعلى – فالمستوي القومي أو الإقليمي – يكون السؤال الذي يفرض نفسه هو " ما الذي يشكل نظام الهوية ؟ " وأن نظم الهوية تتشكل في ظل إطار ثقافي مثار تساؤل ، وتتخذ أشكالا لتلك الثقافة وتدمجها بقيم رمزية معينه يتكون من خلالها المضمون الكلي للثقافة ويري Edward spicer أن نظم الهوية تتسم بالمرونة الشديدة وأن بعض الملامح الحديثة قد تحل محل الأقدم منها دون حدوث خلل في نظام الهوية الجماعية للجماعة . فاستمرار عناصر معينة ليس ذو الأهمية المفرطة ، لكن عملية التكيف للتصورات الرمزية الجديدة هو الأكثر أهمية . وقد تناول spicer الهوية الثقافية لعدد من الجماعات الأوروبية و الأمريكية ووجد أنهم كانوا قادرين علي مقاومة الاستيعاب assimilation . عبر الوقت علي الرغم من تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية خلال نظم الهوية المتشابهة في ديناميكياتها ( 27 ) .
ونأخذ علي سبيل المثال حالة لبعض النساء البيزنطيات في أمريكا حيث تأسست شركة " Farvillage " أو القرية البعيدة عام 1993 بواسطة مصمم أمريكي من لوس أنجلوس تهدف لتعزيز وحماية المهارات الفنية والحرفية للثقافات القديمة . كما أنها تهدف لدعم النساء البيزنطيات pesants حيث أنهن المنتجات الحقيقيات للمنتجات المتمخضة عن المشروع بيد أن الغرض الرئيسي من هذا المشروع هو إثبات إمكانية الاستمرارية الثقافية العضوية في العالم الحديث . وقد عمل مشروع القرية البعيدة علي دعم السياسات متعددة الثقافات للاستهلاك الذي صار قاسما رئيسيا للرأسمالية في الغرب الليبرالي الجديد وهي سياسات قد تشكلت بشكل مختلف عما يحدث في الدورة الطبيعية التي تتم وفقا لحاجات التراكم و التحديث المرن للنسبية الثقافية وقد يفسر هذا التبدل للسياسات الثقافية من التوجه نحو الإنتاج إلي التوجه نحو الاستهلاك والنظر إليه علي أنه جزء من اختراق النظام العالمي لما يتم إنتاجه حيث يتم الاستعمار و الاستغلال عن طريق الرأسمالية متعددة الجنسيات للأنماط الباقية من الإنتاج التي كان لها دور فيما مضي . ويصبح رأس المال وفقا لتلك الرؤية يسير في طريق البحث عن اختلاف ثقافي يتكيف فيه المستهلك مع أيدلوجيات متعددة الثقافات (28)
خامسا : الهوية بين الماضي و الحاضر :
يلعب التعليم والتنشئة الاجتماعية والتراث الثقافي دورا في اكساب ، وتعميق الهوية والانتماء حيث يذهب الكثيرون إلي أن اهتمام برامج التعليم بالتراث و بالتاريخ و بالثقافة المحلية اتجاه في الطريق الصحيح . حيث تساعد مكونات هذه المجالات علي أن يتعرف أفراد المجتمع علي خصائص ثقافتهم وحياتهم علي أمل أن يتشرب التلميذ قيما تقوي صلته ببلدة ، وتجعل منه مواطنا ملتزما ، ولاؤه الأول لمجتمعة ولثقافته ويلاحظ أن هذه الدعوة تنامت أكثر في عصر العولمة ، وكأن هذا الأسلوب هو السبيل ضد الغزو الثقافي وضد تلاش الشخصية الوطنية أو القومية وذوبانها في ثقافة عالمية إلا أن الاغراق في الإهتمام بالقديم ، والتمادي في تمجيد الماضى قد يقود إلي مخرجات يتشبث أعضاؤها بالماضي علي حساب الحاضر أو المستقبل ، خاصة في المجتمعات التي تعاني حاضرا ملئ بالا خفاقات ، وتاريخا طويلا يحتوي علي أمجاد كثيرة ( 29 )
وهذا التصور الشامل ينطلق من الإطار الاشتراكي العلمي الذي ينظر للشخصية نظرة جدلية في تفاعلها الدائم مع التكوين الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع محدد ، أو في تأثرها بنمط الإنتاج السائد في عدة مجتمعات متشابه . وهذا يعني علي وجه التحديد أن نمط الإنتاج السائد في عصر ما أو منطقة حضارية محددة ( كنمط الإنتاج الإقطاعي أو الرأسمالي الاشتراكي ) من شأنه أن يشكل الشخصية الإنسانية وفق خطوط متميزة .
فالشخصية الإنسانية في ظل نمط الإنتاج الإقطاعي – فيما يراه بعض الباحثين ، قد تأثرت ببساطة بنمط الحياة وبطئ إيقاعها في المجتمعات الإقطاعية مما أدي إلي ثبات طرق التفكير ، وغلبة الجمود و التحجر علي العادات الاجتماعية و القيم الأخلاقية . يُضاف إلي ذلك تقديس شديد للماضي علي حساب الحاضر و المستقبل ، وشيوع التزمت وضيق الأفق في مجال الفكر ، والإيمان المفرط بالسلطة ، وشعور الفرد بالاستسلام والعجز عن تغيير أي وضع من الأوضاع التي يجدها سائدة في المجتمع .
غير أن هذا " النموذج المثالي " للشخصية الإنسانية في ظل الإقطاع ، أتيح له أن تتبدل قسماته وملامحه بصورة جوهرية ، نتيجة لانهيار النظام الإقطاعي وبزوغ النظام الرأسمالي ، بما يتضمنه من قوي إنتاج وعلاقات إنتاج جديدة فأصبح التغيير هو شعار العصر الرأسمالي وخصوصا في مراحله الأولي ، وساد الفرد نزوع نحو استطلاع آفاق العالم الطبيعي ، وأصبح الإنسان متفائلا معتدا بنفسه وقواه مؤمنا بأهمية العمل . ولعل أبرز السمات الجديدة التي اكتسبتها الشخصية الإنسانية في ظل النظام الرأسمالي هي الاعتراف بالسيادة المطلقة للعقل ، والتخلي عن غالبية النزعات اللاعقلية التي كانت تسود العصر السابق (30) . وهذا أفضى إلي العولمة والدليل علي ذلك عندما نتعامل مع الإنترنت ، هل سيستطيع شبابنا في المستقبل أن يختاروا الجيد من السيئ ، أم أن هذه المعرفة التي ستأتينا من الإنترنت مثلا ستكون بمنظار معين من منطلقات معينة ، نأخذها كما هي حاضرة ونستعملها فتؤثر في نظرتنا الثقافية و الحضارية عامة ؟ وهنا يكمن الخطر ، لأن في التعليم الجماعي مجالا للمناقشة بينما في التعلم الفردي يجب أن يناقش الفرد آلة في الانترنت . وكذلك فإن الإنترنت ستكون أداة لتسطيح المعرفة عندنا إذا لم ندرب أطفالنا علي الفكر النقدي وعلي التعامل مع المعرفة من جهة المساءلة و التساؤل والاختيار و التمييز . هنالك الإعلام الذي شوّه الحياة الثقافية و الفكر العربي الثقافي لأنه ركز علي الفكر السياسي وتسلمته الدولة ، وهذا ما يجب أن ننتبة له لأنه يجب أن يقابل إعلاما غنيا بالسيئ و بالجيد . وهناك المفاهيم التي تصدر إلينا والتي يجب أن نأخذها من منطلق مجتمعاتنا نحن وليس من منطلقات فلسفية أخري لمجتمعات أخرى ، أذكر منها قضية حقوق الإنسان التي هي نابعة من الفردية التي يتكلم عليها الدكتور الجابري ، وهي تعزز الفردية وتضعف المسؤولية الجماعية ، المسؤولية تجاه الأسرة ، تجاه الوطن وتجاة المجتمع ( 31 )
فالأسرة هي أول وأهم المصانع الاجتماعية التي تنتج الوجدان الثقافي الوطني ، بواسطة شبكة القيم التي توزعها – من خلال التربية – علي سائر أفرادها وتلقنهم إياها بوصفها الآداب العامة الواجب احترامها ، و المقدسات التي يتعين التزام الإيمان بها وكما يتلقن الطفل – في هذه المؤسسة التكوينية من مؤسسات الإنتاج الاجتماعى لغته ، ومبادئ عقيدته ، والقوالب الأخلاقية العامة والعليا لسلوكه ، كذلك يتلقن بعضنا من المبادئ المؤسسة للشعور بالأنا الجمعي : أي هوية الجماعة الوطنية التي ينتمي إليها وقد تهتز في مراحل الشباب - أي في لحظة الانفصال عن مرجعية الأسرة – ثقة الفرد الاجتماعي في سلطة الأب وشرعيتها ؛ أو قد يتعرض اعتقادة الديني إلي أزمة شك ؛ أو قد يختلط علية شعور الحنق علي النظام السياسي والاجتماعي بالحنق علي وطن مجحف ( فتستبين له الهجرة إلي الخارج – مثلا – حلا سحريا ) … غير أن هذه السلطة جميعها تظل تتمتع بالاستقرار و الرسوخ في وجدانه ووعية طيلة فترات التربية التي يتلاقاها داخل الأسرة ، بل حتى حينما يجنح إلي التمرد عليها في طور الشباب ، لا يقطع معها قطيعة كامله ، إذا تظل أثارها في سلوكة فاعلة علي هذا النحو أو ذاك ، وبهذا القدر أو ذلك (32)
وتمثل المدرسة مؤسسة الإنتاج الاجتماعي الثانية التي تستكمل عمل الأولى وتنتقل بأهدافها إلي مدي أبعد من حيث البرمجة والتوجيه . ربما كانت المدرسة أسرة ثانية للنشئ ، تمارس الوظائف التربوية عينها ؛ غير أن موطن القوة فيها أنها تفعل ذلك علي نحو نوعي متميز ففضلا عن قدرتها علي صقل تكوين الفرد الاجتماعي ، وتنمية ملكة التحصيل والادراك لدية بدرجة لا يستطيعها الفعل التربوي الأسري ، تتفرد بكونها تنتقل بوعية من حدود " الجماعة الطبيعية " ( أي الأسرة ) إلي رحاب الجماعة الوطنية وعند هذه النقطة بالذات تؤدي المدرسة وظيفة إنتاج ثقافة وطنية أو قل أساسيات تلك الثقافة ، من خلال توحيد الإدراك وتركيزه علي برنامج عام علي صعيد الوطن برمته ، أو من خلال بث وتكريس جملة من المبادئ التي تؤسس لقيام وعي بالأنا الجمعي ( الوطني ).
و الملاحظ اليوم كما لو أن العياء دب في أداء هاتين المؤسستين ، ونال من وظائفهما التربوية و التكوينية ، ومن قدرتهما علي الاستمرار في ممارسة أدوارهما التقليدية الفعالة في إنتاج وإعادة إنتاج منظومات القيم الاجتماعية ، ورصيد الوعي المدني ، اللذين يؤسسان البُني التحتية للثقافة الوطنية و للسيادة الثقافية ! وفي زعمنا أن هذا الخلل – الطارئ علي العمل الوظيفي " الطبيعي " للأسرة و للمدرسة الوطنية – إنما كان ثمرة مُرة لحقيقتين تقوم علي وجودهما ورسوخهما أوفر الدلائل ، هما إخفاق النظام التعليمي ، و تفكك بنية الأسرة في امتداد الانهيار الكامل – و الشامل – لنظام القيم ( 33 )
ولأن الهدف من العولمة هو الترويج لمشاريع تجارية وأخري سياسية تختفي وراء التقدم الاعلامي والاتصالي كأسطورة تقنية ثقافية جديدة ( 34 ) ومن هنا قد يصعب تفسير الثورات العلمية المتلاحقة من دون تغيير نظرتنا إلي تاريخ العلم فلا نراه وعاء لأحداث متتابعة زمنيا ومن ثم تراكميا (35 ) ولكن إذا أخذنا فى الاعتبار أن الهوية الثقافية للأمة العربية إنما هي حالة ذاتية خاصة ترتبط بمقومات وجودها وأن اللغة العربية هي العامل الأساسي المحرك لهذه الذاتية وشرط حصانتها وديمومتيها أيضا فالذاكرة الثقافية للأمة إنما هي حصيلة تجارب الإنسان العربي ومشاركتة الحضارية عبر التاريخ كما ذهب تقرير لجنة السياسات الثقافية العربية ( 36 )
وفي ظل الخطاب السائد عربيا في استخدام لفظة العولمة و التنافسية و التوليد المستمر لأفكار اقتحامية جديدة ، وفرصة الحفاظ علي الهوية انطلاقا من قدر مناسب من الثقة بالنفس . ومن هنا دعا أ . د . محمد محمود الإمام وآخرون من تيار المفكرين القوميين العرب إلي ضرورة تمييز ما هو انفتاح للعالم وتراجع لأدوار الدولة القطرية الحديثة ( و التي تبلورت مع التصنيع و الثورة الصناعية ، ثم انتقلت بالمحاكاة إلي العالم الثالث ) وبين أسباب تطور معرفتنا العلمية بالطبيعة و المادة و الكون و الحياة وانعكاسات ذلك علي تثوير أساليب الانتاج ووسائط الاتصال البشري وزيادة حصة المعلومات و الخدمات في الناتج و التبادل الاقتصاديين ( 37 )
إلا أن العولمة تعد تعبيرا عن آراء ومواقف ومصالح شعب بعينة و ليس جميع الشعوب وخصوصا أن شعوب العالم ليست متكافئة تقنيا ،قاد هذا إلي تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لانتقال السمات الثقافية ، ومالت الكفة لصالح عدد صغير من الشعوب التي تبعث إلي الآخريين بما تريد ، و الذي ليس دائما هو الشيء الذي يرغب مواطنوا الشعوب المتلقية معرفتة من خبرة وتقنية وخدمات وقيم وعادات ومن هنا تكبر قائمة السلبيات ( 38)
ويمثل التراث كونه رأسمالا رمزيا وذاكرة جمعية للأمة ، وأنه لا قيمة لفهم التراث واستيعاب ثرائة الفكري وعمقة الحضاري بمعزل عن أسئلة الحاضر ورهاناته ، لأن الخلاف ليس من أجل التراث بل الخلاف علي التراث من أجل الحاضر ، فالمنتصر في معركة تأويل التراث واحتكار تمثيلة هو الأقدر علي امتلاك الحاضر لهذا السبب الوجية يعتقد " عبد إلاله بلقزيز " أن القضية في جوهرها هي " معركة تأويل الحاضر وامتلاكه واحتكار صوغه " وذلك بهدف السيطرة علية بالاستعانة بما يمكن أن يقدمة التراث من معطيات وأفكار تعبوية أو بما تقدم به من وظائف رمزية واجتماعية ( 39 )
تحافظ في مجملها علي الهوية القومية . ولقد قدم عالم الاجتماعي الفرنسي بيير بورديو p Bourdieu عام 1999 أمام المجلس العالمي لمتحف التلفزيون و الراديو عناصر المنطق الجوهري للصناعة الثقافية الجديدة التي تعتمد الربح السريع ، انسجاما مع معايير العولمة التي ليست عولمة لثقافة كونية كما تحقق في فترات سابقة ، بل هي عولمة تجارية تستهدف أوسع جمهور ممكن لاستهلاك منتجات " الكيتش " " و الجينز " و " و الكوكاكولا " وجاءت دعوتة بضرورة إحياء عولمة ثقافية مقاومة للعولمة التجارية الراهنة ( 40 ) .
وإذا كانت الثقافة هي محصلة التفاعل بين علاقات ثلاث : مع الله ( العقيدة و الدين ) ومع الآخر ( المجتمع و الطبيعة ) ، ومع الذات ( الرغبات والغرائز والحاجات ) وهذا يعني أنها الجواب الذي تقدمة الجماعات البشرية لمشكلة وجودها ، والحلول التي يُوجدها الإنسان للمشاكل المطروحة علية من قبل محيطه والثقافة بهذا المعني هي التجربة التي تلخص الجوانب الإبداعية والاجتماعية و السلوكية ، والعقيدية التي تسمح بالتمييز بين مجتمع وآخر وبين ثقافة وأخري . فهل يمكن للعولمة وفقا لهذا التعريف للثقافة أن تعمل علي توحيد أو صهر ثقافات الشعوب المختلفة و المتفاوته في ثقافة كونية واحدة ؟ وما هي أصلا عناصر هذه الثقافة الكونية ؟
إن مذهب اقتصاد السوق أصبح أكثر قبولا ورواجا وحقق اختراقات واسعة في العالم ، وأنشأ له مؤسسات وهيئات دولية بعد هزيمة نقيضه في الاشتراكية والاقتصاد الموجة ، فهل حققت العولمة اختراقات موازية ومؤسسات دولية موازية علي المستوي الثقافي حتى مع سيطرتها علي التقنيات الحديثة في الاتصال . لا يبدو أيضا أن العولمة حققت مثل ذلك . ففي كل مرة كانت " العولمة الثقافية " تقترب من اختراق مكونات الثقافة الأساسية عند أي شعب من شعوب العالم لم تكن الاستجابة اندماجا أو انسحابا ، بل مزيدا من التشبث بالهوية كما جري في الجمهوريات الإسلامية وغير الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي السابق ، بل وفي أوربا نفسها . ولنأخذ مرة أخري أمثلة علي ذلك من محيطنا الأقرب ، العربي والإسلامي .
- فالتيار الإسلامي باتجاهاته كافة الذي يعتبر اليوم أكثر التيارات تشددا في شأن الهوية و الثقافة بعمقها الديني ، لم تجذبه حتى الآن " عولمة الثقافة " لا بل استخدم تقنيات العولمة ووسائلها الحديثة وشبكات الإنترنت للدعاية لنفسه وترويج خطابه السياسى وحتى التنسيق فيما بين أجنحته . فصارت تقنيات الحداثة والعولمة في خدمة ثقافة هذا التيار وهويته .
- كما ارتفعت أصوات التمسك بالهوية القومية في مواجهة المشاريع الشرق أوسطية لعملية التسوية التي كانت تهدف إلي استبدال هوية المنطقة العربية – الإسلامية بأخرى جغرافية تضم بلدان الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل .
- وأثارت علي صعيد مواز مؤتمرات الأمم المتحدة في القاهرة وبكين حول المرأة و السكان حفيظة وانتقاد دول عربية وإسلامية في شأن قضايا المرأة والأسرة والجنس والزواج . وكانت تلك الاعتراضات بمحتواها الثقافي الديني محط لقاء وتنسيق بين الفاتيكان وبين دول عربية وإسلامية فرقتها المصالح و السياسات ( 41 )
وبالتطبيق على ما سبق نجد أن من الكتاب المصريين من يضيق المصدر الثقافي الذي ينتمي إليه ويغفل ، أو يقلل من قدر غيرة من المصادر . فهناك من يتبني فرعونية المصدر ، وهناك من يتبني عروبته ، وهناك من يتبنى إسلاميته …إلخ وهناك من تتسع المصادر الثقافية حتى تشمل سبعة مصادر كما أشار إلي ذلك " سيدعويس " وهي :- المصدر المصري القديم " الفرعوني " الفارس ، اليونانى والرومانى ، الديانة المسيحية ، الديانة الاسلامية العربية ، الثقافة السلوكية العثمانية ، الثقافة الغربية . ولا تعارض بينها جميعا في رأي صاحبها ( 42 )
ولقد أشار " محمد عابد الجابري " إلي عشر أطروحات ترسم إطار عام بين العولمة و الهوية الثقافية كما يمكن أن تُرصد اليوم في الوطن العربى الذي نذكر ثلاثة منهم علي سبيل المثال وهى :-
- الأطروحة الأولى : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، بل ثقافات …
ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام ، وإنما وجدت ، وتوجد وستوجد ، ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية ، أو بتدخل إداري من أهلها علي الحفاظ علي كيانها ومقوماتها الخاصة . من هذه الثقافات ما يميل إلي الانغلاق والانكماش ، ومنها ما يسعي إلي الانتشار و التوسع ، ومنها ما ينعزل حينا وينتشر حينا آخر .
- الأطروحة الثانية : الهوية الثقافية مستويات ثلاثة : فردية وجمعوية ووطنية قومية ، و العلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساسا بنوع " الآخر " الذي تواجهه
- فالفرد داخل الجماعة الواحدة ، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعية مدنية ( حزبا أو نقابة … إلخ ) ، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة ، عبارة عن " أنا " لها " أخر " داخل الجماعة نفسها : " أنا " تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من " الآخر "
- و الجماعات ، داخل الأمة ، هي كالأفراد داخل الجماعة ، لكل منها ما يميزها داخل الهوية الثقافية المشتركة ، ولكل منها " أنا " خاصة بها و" آخر " من خلالة وعبره تتعرف علي نفسها بوصفها ليست إياه .
- و الشيء نفسه يقال بالنسبة إلي الأمة الواحدة إزاء الأمم الأخري . غير انها أكثر تجريدا ، وأوسع نطاقا ، وأكثر قابلية للتعدد والتنوع والاختلاف .
- الأطروحة الثالثة : لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها : أم اجماع الوطن والأمة والدولة .
- الوطن : بوصفه " الأرض والأموات " ، أو الجغرافيا و التاريخ ، وقد أصبحا كيانا روحيا ، واحد ، يعمر قلب كل مواطن : الجغرافيا وقد أصبحت معطي تاريخيا و التاريخ وقد صار موقعا جغرافيا .
- الأمة : بوصفها النسب الروحى الذي تنسجه الثقافة المشتركة : وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإدارة الجماعية التي يصنعها حب الوطن ، أعني الوفاء " الأرض و الأموات " للتاريخ الذي ينجب ، والأرض التي تستقبل وتحتضن
- الدولة : بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن و الأمة ، و الجهاز الساهر علي سلامتهما ووحدتهما وحماية مصالحهما ، وتمثيلهما إزاء الدول الأخرى ، في زمن السلم كما في زمن الحرب . ولا بد من التمييز بين " الدولة " ككيان مشخص ومجرد فى الوقت نفسه ، كيان يجسد وحدة والوطن والأمة ، من جهة ، والحكومة أو النظام السياسي الذي يمارس السلطة ويتحدث باسمها من جهة أخري . وواضح أننا نقصد هنا المعني الأول .
وهذا ما اقترب منه أبرز علماء الاجتماع المعاصرين " مانول كاستي " إذ ركز المجلد الثاني " قوة الهوية " من ( ثلاثية كاستى ) علي تفحص الحركات الاجتماعية في عصرنا والتحديات التي تواجه نظمنا السياسية التي تنهض علي الدولة – القومية . ويميز كاستي بين ثلاثة أشكال للهويات الجمعية هي :-
خاتمة :
لذا فإنه يتوجب علينا الاهتمام بعدد من القضايا منها :-
- · إن اكتساب المهارات الجديدة أمر ضروريا وحيويا في ظل التعامل مع التحولات التي أحدثتها العولمة في الاتجاهات الاجتماعية ونمط الحياة و الهوية
- · إن الهوية الثقافية يبنيها أفراد المجتمع بعملهم سويا وتراثهم وخبراتهم والأحداث التي خبروها من خلال تاريخ مشترك .
- · إن الهوية تمنحنا مكانا في العالم وتعرض لنا الرابط بيننا وبين المجتمع الذي نحيا فيه وبه فالهوية تعطينا فكرة عمن نكون وكيف نرتبط بالآخرين و بالعالم .
- · إن الهوية الثقافية كيان يصير ، يتطور ، وليست معطي جاهزا ونهائيا كما تصير وتتطور ، إما في اتجاه الانكماش ، وإما في اتجاه الانتشار ، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم ، انتصاراتهم و تطلعاتهم ، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما " حسب تعبير الجابري "