1- فكرة البحث
تؤكد ثورات العولمة ونتائجها أهمية التنوع الثقافي في الإبداع والتنافسية على الصعيد الكوكبي, وأن أي ثقافة تحمل في مضامينها توجهات للسلوك, يبرز بعضها ويجدد ويهمش بعضها الآخر حسب لحظات التطور التاريخي وبناء عليه نجد أن لكل إنسان رؤيته الثقافية التي تتجسد في تصوراته وفي سلوكه العملي وهذه الرؤية رغم طابعها الشخصي الذاتي إلا أنه اكتسبها من مجتمعه الذي يعيش فيه ولهذا ففهم ثقافة أي مجتمع- وما يعنينا هنا هو ثقافة القرويين- يعد أحد أهم المقاربات التي تساعد في فهم التباين لصور تعبير الناس عن فهمهم للقانون وطرائق تفكيرهم.
وفي هذا السياق تأتي الدراسة الراهنة التي تحاول أن تقرأ بعض مضامين عناصر الثقافة الشعبية المصرية وانعكاساتها على الوعي لدى القرويين مما يجعلهم يقبلون الثقافة الشعبية والعرف السائد في فترات تاريخية وما قاوموه أو أعادوا إنتاجه ليكون أكثر قدرة على تيسير تفاعلهم مع القانون. وهناك العديد من البحوث في الأنثروبولوجيا الثقافية وعلم الاجتماع الثقافي ودراسات التراث الشعبي تناولت خصائص الثقافة الشعبية. إلا أن التأكيد على جذورها وما يطرأ عليها من تبديل فهي قليلة وإن اعتمدت على عملية وصف للثقافة ليس إلا.
أما كلمة شعبي (بمعنى) الدولة أو الأمة بالمعنى السياسي, الشعب بمعنى المحكوم خلافاً للحاكم والشعب بمعنى المضطهد أو المحروم أو مسميات أخرى كالعامة – العوام والدهماء وغيرها([1]).
إلا أننا نرى أن الثقافة الشعبية هي أسلوب أو طريقة إبداع محلي وإنتاج يجسد الواقع الاجتماعي الاقتصادي بكل ما فيه عبر تاريخه الطويل لهذا المجتمع أو ذاك ويحدد طريقته في التعامل وفق المعطيات القائمة والمتاحة وارتبطت تكنولوجيا بالمجتمعات البسيطة وتخلص إلى أن الثقافة الشعبية هي فن الحياة اليومي.
معنى ذلك أن لكل إنسان ثقافته التي تتمثل في رؤيته الفكرية للعالم وسلوكه العملي والاجتماعي والوجداني سواء كان واعياً بهذا أو غير واعي أو ما يسمونه خبره الحياة, لذلك فالناس في القرية حينما يتحدثون بعقلانية شديدة وتفنيد للأمور في حل مشكلة ما يظهراً كأبرع محلل مما يدفع من يسمعه نظراُ لفصاحته بسؤاله " إنته خريج إيه" يقول خريج كلية الحياة يؤكد ذلك المثال الذي ساقه الأستاذ "محمود أمين العالم " يصف فلاح بأنه فصيح وطيب حينما سأله يا سي الأفندي إيه معنى كلمة سلامات ؟ قلت له يا عم جمعه "التحية والأمان" فضحك عمى جمعه وقال ياسي محمود (سلا) ده كان أصله ملك ظالم قوي قوي فالما مات الناس فرحت وقالت لبعضها سلا مات سلا مات.
يقول أ / محمود وهنا وجدت فرصة للحديث وقلت (وهوّه الملك الظالم مات خلاص يا عم جمعه يعني الظلم مات خلاص يا عم جمعه) فرد عم جمعه وقال الظلم مالي البلد. فقلت له يعني سلا لسه ما متش؟ فلو كان سلا اسم ملك ظالم صحيح كان لازم الناس لما تتقابل مع بعضها تقول سلا لسه ما متش، سلا لازم يموت([2]).
ومن هنا فإن هؤلاء البسطاء يتبعون إجراءات قانونية أخرى اكتسبوها من خبرات حياتهم الطويلة دون دراسة لها وهذا الفهم هو الذي يتيح لهم الفرصة في الوصول إلى كبير العائلة لأنهم يشعرون أن كبير العائلة مسئول عنهم. فهذا جزء من بنيته الثقافة بصوره عامة كما هي في الواقع الحياتي المعاش وكما يراها الناس في القرية، يعني هذا أن الوعي متضمن في التطبيق الفعلي للدستور والقانون في الحياة اليومية كجزء أصيل من فعل أي حدث تحكمه الثقافة الاجتماعية بكافة صورها.
ولأن مصر شأنها شأن كثير من أرجاء الوطن العربي, قد رزحت تحت وطأه حكام غزاه أجانب أتوا بجيوشهم يمتصون ثرواتها ويقهرون أبناءها منذ أن حطت جيوش (قمبيز) أرضها حتى جلاء الإنجليز فقد ترسخ في وعي الحكام والمحكومين معا مشروعية غيبة قيمتي "العدل والحرية والمصلحة المجتمعية في تشريعات الحكام" وارتبطت نصوص القانون في مجموعها إلى الحفاظ على أمن الحاكم وهيبته وتأمين وانسياب ثروة البلاد إلى خزائنه([3]).
لذا فإن العادة التاريخية للمصريين في مواجهة القانون الرسمي الظالم أن يصطنعوا لهم قانوناً فعلياً De- facto آخر يطبقونه من وراء ظهور الحكام بمعنى فهم خاص للقانون وهذا هو المخرج الوحيد من وجهة نظرهم.
ولأن القانون هو قانون السلطة الحاكمة الذي يتباين إلى حد كبير مع تصور العرف التقليدي للحقوق والواجبات وما يرتبط بها من قيم ومثل ولعل خير مثال على ذلك الموال القصصي "أدهم الشرقاوى".
غير أن التنويعات المعروفة لرواية الموال الشعبي تجمع على تجاوز للواقعة التاريخية الفعلية لتعيد صياغتها صياغة تجلى فيها رؤية التصور الشعبي للعلاقات الاجتماعية السائدة وخاصة علاقة الجماعة الشعبية بالسلطة الحاكمة وأدواتها التنفيذية.
منين أجيب ناس لمعناه الكلام يتلوه...؟!
أمانة يا عيلة الشرقاوى محدّ بعدّيه
لا أخ لي ولا عم, يأخذ التار بعدية
أمانة يا من عشت بعدي ما تأمنشن لصاحب..دنيا غروره وهكذا ([4]).
2- الإجراءات المنهجية
هذه الدراسة استطلاعية تهدف إلى معرفة دور بعض عناصر الثقافة الشعبية في تشكيل الرؤى الخاصة للإنسان القروي نحو طريقة حل قضاياه الحياتية المختلفة وتفرض عليه أشكال متعددة لطريقة فهمه للقانون وعلى هذا تتركز الدارسة في محاولة للإجابة على سؤال أساسي وهو هل تسهم الثقافة الشعبية بدورها في فرض رؤى أو فهم خاص للقانون "إدراكاً وتفسيراً وممارسة" لدى الإنسان في الريف ؟ وما هي مؤشرات ذلك ؟ وهذا يتطلب معرفة إلى أي مدى تتباين رؤى القرويين في فهم القانون وهل تتباين الرؤى بتباين الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للسكان.
وفكرة الدراسة تأتي من خلال المشاهدات الواقعية لصور تعبير الناس في القرية عن فهمهم للقانون ومعناه من خلال قناعات خاصة وإدراكهم وطريقة ممارستهم له في المواقف المختلفة.
ولكن السؤال كيف توظف الثقافة الشعبية لتحقيق فهم حقيقي للقانون وطريقة تطبيقه خاصة وأن الدولة بمؤسساتها الرسمية تقر المجالس العرفية ولجان حل المنازعات.
3- الإطار النظري
هناك تأكيد واتجاه متزايد في الولايات المتحدة يهدف إلى إعادة صياغة إطار مفاهيمي جديد يمكن أن يحمل إجابات محتملة عن الشكوك الكثيرة التي أثيرت حول قيمة النظرية القانونية المؤسسة على ما يعرف بالواقعية القانونية Legal Realism وعليه ظهرت العديد من الدراسات الواقعية التي تدور حول ما يعرف بالقانون في سياق التأثير والفعل الثقافي والاجتماعي والتي اهتمت بشكل خاص بنظم وتوضيح خطوط الالتقاء والاتصال بين القانون والثقافة الشعبية Law and popular culture كما ركزت بعض الدراسات الثقافية والسوسيولوجية بشكل خاص على ما يعرف بأسباب وسوابق السلوك الانحرافي أو الجنوح Deviance antecedents وفيه ركز على بعض المؤشرات الأولية للعلاقة بين القانون والثقافة الشعبية والتي يمكن من خلالها تتبع مسارات التشريع لسوسيولوجيا القانون, وعلى الرغم من الندرة في الكتابات في مجال القانون والثقافة الشعبية يمكن أن نشير بشكل خاص إلى "Allan Hunt " الذي يعد أحد الرواد الأول للتنظير في مجال القانون والمجتمع أما كتابة سوسيولوجيا القانون والذي صدر عام 1994 والذي إهتم فيه بشكل خاص بالأسس القانونية والتاريخية للحداثة والثقافة الشعبية مؤكدا على تأثير جماعات المصلحة وما تستند إليه من ثقافة نوعية تنتظم في مجموعة من الأعراف والتقاليد الشعبية التي تؤثر على عملية التشريع القانوني مما أدى إلى ظهور حقل معرفي جديد في علم الاجتماع له رؤاه النظرية وأدواته التحليلية أطُلق عليه "القانون والثقافة الشعبية " ونجد أن كمون القانون في الثقافة الشعبية هو الذي دفع "David Lange " أستاذ القانون بجامعة ديوك Duke university إلى الاعتقاد بأن الألفية الجديدة ستزيح كل أشكال ضوابط السلوك وصياغة المعنى من مكان الصدارة لتجعلها وراء الفرد ([5])
وإذا كان القانون يتألف من حصيلة ضخمة من البنود يفهمها الناس حسب خبراتهم ودرايتهم الشخصية بالقانون – أي أن هناك اختلاف في فهم الناس للقانون – فمثلاً- رجل القانون ودافع الضرائب والغني واللص والمالك لأي عقار يفهم القانون بشكل مختلف عن غيره. ويقصد بالوعي القانوني Legal consciousness كيفية فهم هؤلاء الناس للقانون وطرق تطبيقية. حيث تشير كلمة "الوعي" إلى الشكل الطبيعي والمعتاد الذي يتناول من خلاله الناس القانون متمثلا في سلوكهم وأحاديثهم وإدراكهم للعالم من حولهم. وبناء على ذلك لا تعنى كلمة الوعي هنا مجرد الأفعال المتعمدة والمقصود ولكن العادات والتقاليد السائدة أيضا, ويعرفJean comaroff الوعي بأنه إدراك متضمن في التطبيق الفعلي للدستور والقانون في الحياة اليومية, كجزء أصيل من فعل أي حدث تحكمه الثقافة الاجتماعية بكافة صورها([6]).
فكما يعرفه Bourdiew (الوعي متضمن في المعرفة التطبيقية والفعلية التي يتصرف من خلالها الناس) فالوعي القانوني يتم بدءاً من الذهاب للمحكمة وإلى الحديث عن كافة صور وأشكال الحقوق والواجبات. ويتنامى الوعي من خلال الخبرات الفردية, التي يكتسبها الفرد في ممارساته اليومية المعتادة. وعلى ذلك فالوعي يطرأ عليه تعديل من تراكم الخبرات المتقابلة فأي شخص يتجه للمحكمة من أجل قضية ما قد يغير رأيه إذا رأى أن ما يحدث أو ما سيحدث ليس هو المقصود من وراء الذهاب للمحكمة وحينئذ يتغير معنى الوعي لديه. فالناس يتسمون بالقدرة على التغير والتشكل وهذا ينتج عنه تعديل وتغيير لوعيهم وإدراكهم لما يكتسبونه من خبرات. فالوعي القانوني ذاته تواجهه متناقضات كثيرة. فمبدأ أن الكل سواسية أمام القضاء, لا يتم مراعاته عند النظر للمشكلات والقضايا.
وقد تم إجراء العديد من الأبحاث المتعلقة بفهم القانون واتجاهات الناس ومواقفهم منه وذلك من خلال مسح شامل أجراه (sarat) وتلك الأبحاث تعطي صورة عن مدى بساطة فهم الناس لطبيعة القانون. حيث تفترض أن لكل فرد تصور شخصي لحقائق وبنود القانون.
فالغرض من القانون ليس فرض قواعد وضوابط وعقاب بل يتعدى ذلك لوضع إطار وشكل قانوني ينظم العلاقات والتفاعلات داخل المجتمع. حيث يمدنا بتصنيف وتحديد لكل ما يدور داخل المجتمع. فالتعبيرات القانونية هي محددات ثقافية للإنسان العادي نفسه وللعاملين بالقانون أيضاً حيث يتمكن الجميع من القيام بعمله بشكل منظم ومن هذا المنظور فقد يوصف القانون بأنه "لغة التخاطب" أي أنه وسيلة للتعبير عن الأقوال والأفعال والعلاقات ويستخدم تعبير التخاطب كما سبق واستخدمه (Foucault) وعلى ذلك فالقانون يرسخ مفاهيم. ويفتت أخرى وليس الحديث عنه سهلاً أو متواتراً. بل إنه معقد حيث يتضمن عقوبات, تسلسل تاريخي, تصنيفات للسلوك, ممارسات, دوافع الفرد والجماعة, مسئولية نظام حكومي....وهكذا وهذا الغموض والتعقيد وتلك التناقضات هي السبب في تضارب التفاسير للقانون فيما بعد عند تطبيقه وتناوله([8]).
أما بالنسبة للمجتمعات المعقدة الغير متجانسة heterogeneous مثل الولايات المتحدة نجد أن الضبط الاجتماعي يعتمد بصورة كبيرة على المعايير المشتركة فمعظم الأفراد يتصرفون بطرق مقبولة اجتماعياً وكما هو الحال في المجتمعات البسيطة نجد أن الخوف من الطرد من العائلة واستهجان الأصدقاء والجيران عادة ما يكون ملائماً لكي يجعل المنحرف يراجع نفسه. إلا أن التنوع الكبير في السكان, ونقص الاتصال المباشر بين القطاعات المختلفة في المجتمع وغياب القيم المتشابهة والاتجاهات ومستويات السلوك والصراعات التنافسية بين الجماعات ذات المصالح المختلفة فكل ذلك قد أدى إلى حاجة متزايدة للميكانزمات الرسمية للضبط الاجتماعي ويتسم الضبط الاجتماعي بالخصائص الآتية.
- القواعد الظاهرة للسلوك
- الاستخدام المخطط للجزاءات لكي تدعم القواعد.
- جهات رسمية محدده لتفسير وتطبيق القواعد وغالباً ما تضع هذه القواعد وفى المجتمعات الحديثة هناك العديد من المناهج للضبط الاجتماعي وهما الجانب الرسمي والغير رسمي ويعتبر القانون أحد أشكال الضبط. ويذهب" رسكوباند Roscoe pound " إلى أن القانون في أحد معانيه هو شكل معين (خاص) للضبط الاجتماعي في المجتمع المنظم سياسياً وأنه تطبيق للضبط الاجتماعي من خلال التطبيق المنظم للقوة في هذا المجتمع([9]).
كما تتمثل وسائل الضبط الاجتماعي اللارسمي في وظائف الطرائق الشعبيةFolkways (المعايير الراسخة للممارسات العامة مثل تلك التي تتمثل في أنماط خاصة للزي والاتيكيت Etiquette, والأنماط الخاصة لاستخدام اللغة كما أنها تتمثل في الأعراف mores (المعايير المجتمعية المرتبطة بالشعور العميق بالثواب أو الخطأ والقواعد المحددة للسلوك والتي لا يمكن انتهاكها بسهولة). وتتكون هذه الوسائل الغير رسمية للضبط من تكنيكات Techniques والتي بواسطتها يتمكن الأفراد الذين يعرف كل منهم الآخر على أساس شخصي أن يثنوا على أولئك الذين يزعنون (يستجيبون) لتوقعاتهم كما أنهم يظهرون عدم الرضا بالنسبة لؤلئك الذين لا يستجيبون لتوقعاتهم. ويمكن ملاحظة هذه التكنيكات في سلوكيات معينه مثل السخرية Ridicule , والقيل والقال gonip , والانتقادات criticisms أو التعبير بالرأي.
إن القيل والقال أو الخوف من القيل والقال يعد أحد الوسائل الفعالة التي يستخدمها أعضاء المجتمع لإجبار الأفراد على التوافق مع المعايير. وعلى العكس من وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية نجد أن وسائل الضبط الغير رسمية لا تمارس من خلال الميكانزمات الرسمية للجماعة. وأنه لا يوجد هناك أشخاص معينون يجبرون الأفراد على تنفيذ هذه الميكانزمات.
وهناك أدله في التراث السوسيولوجي تؤيد فكرة أن الضبط الاجتماعي غير رسمي يكون أقوى في المجتمعات الأصغر والتي تكون مجتمعات متناغمة Homogeneous وذلك بالمقارنة بالمجتمعات الأكبر التي تكون مجتمعات غير متناغمة Heterogeneous ([10]).
هذا ويعد مفهوم “الرمزيةSymbolism في نظر عدد كبير من المفكرين مهماً للاستعانة به في تحليل السلوك والعلاقات الاجتماعية بحيث كاد المفهوم يرادف مفهوم الثقافةCulture وهناك أيضاً نوع من التطابق بين مفهوم أنساق الرموز systems of symbols وأنساق الثقافة في بعض الكتابات على الأقل فالرموز هي التي تعين طبيعة المجال ومداه ووحداته الأساسية كما ترسم حدود التمايز والتفاوت بين هذه الوحدات المختلفة ثم تربط بين وحدات المجال الواحد بحيث تؤلف كلاً whole متسقاً ومتسانداً, بينما تؤلف الأنساق المختلفة بعد ذلك الثقافة كلها. فالثقافة في نظره أداة فكرية وتصورية لتصنيف مختلف المجالات والميادين القائمة في هذا العالم وتبين الطريقة التي ترتبط بها هذه الميادين بعضها ببعض. وهذا معناه في أخر الأمر أن نسق الثقافة الكلي السائدة في أن مجتمع من المجتمعات يؤلف العالم كما يراه أعضاء ذلك المجتمع, وأنه -أي النسق الثقافي– يتميز بذلك عن مستوى الفعل action ([11])
وإذا كانت الثقافة مجموعة من الرموز والصور الرمزية فإنه يتعين على الباحث الأنثروبولوجي أن يحدد ويعين أنساقها الرمزية, وهذا يقتضي محاولة فهم وجهة نظر الأهالي أنفسهم لتعرف ما يقصدونه أو ما يرمون إليه من أفعالهم وتصرفاتهم ولن يتيسر ذلك بإتباع المناهج وأساليب وطرائق البحث المستخدمة في العلوم الطبيعية والتي تبحث عن القوانين وعن الأمثلة والحالات التي توصل إلى تلك القوانين ومن هنا كان "جيرتز" يرى أن ما يجب أن يهدف إليه الباحث الأنثروبولوجي هو الوصول إلى تفسير تأويلي Interpretive explanation وهو تفسير يتطلب التركيز على معنى العادات والنظم والأفعال والتقاليد بالنسبة للأهالي الذين يمارسون تلك العادات والتقاليد وتصدر عنهم تلك الأفعال ويخضعون لتلك النظم. وليس من شأن التفسير التأويلي أن يبحث عن القوانين وإنما هو يهدف إلى " فك unpacking " العالم الذهني المتصور الذي يعيش فيه الناس. ومن هنا كان يتعين على علماء الأنثروبولوجيا أن يبحثوا عن تفسيرات للثقافة ترد الأفعال إلى معانيها أو تربط الأفعال بتلك المعاني بدلا من محاولة رد السلوك إلى محددات تطورية أو انتشارية أو سوسيوبيولوجية كثيراً ما تنتهي إلى إصدار أحكام مبهمة وغامضة, أو غير واضحة على أقل تقدير([12]).
4- الوعي القانوني
يمثل الوعي القانوني دوراً مهماً في حياة البشر والمجتمع. فالبشر يتمسكون في حياتهم الاجتماعية بأصول وقواعد سلوك معينة, تظهر تاريخياً وتتغير مع تطور المجتمع. فالوعي القانوني. هو مجموع الآراء والأفكار القانونية السائدة في المجتمع. التي تفصح عن علاقة أعضاء الجماعة بالنظام القانوني النافذ, وعن فهمهم لما يعد مطابقا للقانون أو مخالفاً له. فالوعي القانوني بهذا المعنى هو الجانب الذاتي الموضوعي الذي يعي القانون كما هو موجود في الواقع. والوعي القانوني باعتباره جزءاً من الوعي الاجتماعي العام يصاغ ويتشكل بالتبعية للواقع المادي الاقتصادي للمجتمع, وبقدر ما يكون النظام القانوني معارضاً لمصالح الجماهير العاملة بقدر ما تكون الفجوة بين الوعي القانوني والنظام القانوني والعكس صحيح([13]).
فالقانون كالسياسية نتاج للتقسيم الطبقي للمجتمع وهو أكثر عناصر البنية الفوقية أهمية، ويتصل اتصالاً مباشراً بالوعي السياسي ولكنه يتميز عنه. فالوعي القانوني هو جملة الآراء التي تعكس علاقة البشر بالحق القائم والتصورات التي يملكها البشر حول حقوقهم وواجباتهم، وحول شرعية أو عدم شرعية هذا السلوك أو ذاك، والحق هو إرادة الطبقة المسيطرة المرفوعة إلى قانون، والقوانين تصدرها الدولة، لذا فإن القانون يعتبر إجراء سياسيا([14]). لذا تتطلب الاستفادة من الحماية التي يوفرها القانون للأشخاص وعياً قانونياً من جانب هؤلاء الأفراد، ويتضمن هذا الوعي القانوني إحساس الشخص بأن له حقوقا، وأنه يستطيع تأكيدها عن طريق القانون ومعرفة بكيفية وأسلوب استخدام القانون لتحقيق مصالحة. وفضلاً عن ذلك، فإن الوعي القانوني يشتمل أيضاً على القدرة على العمل الإيجابي. فالشخص الذي يتمتع بالوعي القانوني لا يعرف حقوقه فقط، ولكنه يقدم على اتخاذ الخطوات العملية القانونية عندما يشعر أن من صالحه عمل ذلك([15]).
ويرى "بولانتزاس" أن القانون ليس سوى جزء عضوي من النظام القمعي ومن تنظيم العنف الذي تمارسه كل دولة, فالدولة تصدر القواعد وتعلن القوانين لتصنع حقلاً أولى من الأوامر والنواهي والرقابة ولتخلق مجالاً تطبيقياً للعنف وموضوعاً له ([16])
ولكن هناك تياراً يؤكد أن التشديد على القسر في أعمال القانون هو إساءة فهم تامة لدوره فالناس يطيعون القانون لا لأنهم مرغمون على ذلك بالقوة, بل لأنهم يقبلونه أو على الأقل يذعنون له, وأن هذا القبول وليس تهديد القوة هو الذي يجعل النظام القانوني فعالاً (3). لذا يجب الأخذ في الاعتبار بصفة دائمة العلاقة الوثيقة بين الشكل القانوني وبين مضمونه الاجتماعي والاقتصادي في موقف تاريخي محدد. لهذا فإن نفس القاعدة القانونية ؛ إذ تنطبق في مواقف اجتماعية واقتصادية متباينة, قد تحمل معنى مختلف نسبياً (4).
بيد أن الأمر لا يتعلق فقط بالعلاقة مع القانون. يقول " فاربر" (إذا كان الوعي القانون لا يعني سوى علاقة المواطنين بقوانين الدولة ومتطلباتها الحقوقية, فإنه سيكون من المستحيل تمييزه عن الوعي السياسي. غير أن الوعي القانوني, هو معرفة تنصب على مجال خاص من الحياة الاجتماعية. إنها معرفة لسائر الظواهر القانونية. وبشكل رئيسي لتصورات حقوق المواطنين وواجباتهم, وهذه لا يمكن أن تحصر في حقوق وواجبات سياسية فقط). فعلى سبيل المثال: فان الشعور الأخلاقي بالعدل أو الظلم يعبر عن العلاقة مع النظام الاجتماعي والسياسي القائم ومع القوانين, وفعالية هذه أو تلك من المؤسسات والتنظيمات وسلوك البشر([17]).
وتشير نتائج الدراسات الميدانية في هذا الصدد إلى طبيعة فهم الناس للقانون وطرق تعاملهم معه التي اكتسبوها من خلال تفاعلهم الحياتي اليومي في ظل شعورهم بغياب الديمقراطية لتحقيق قيمة العدل في ظل واقع تسوده الوساطات وجماعات الضغط على اختلافها ويجسدها المثل الشعبى والحكم والأقوال على سبيل المثال (المحاكم معاكم كسبنها خسرانها) ونعرض هنا لعدد من الدراسات الميدانية ففي دراسة للدكتور سمير نعيم أحمد تناولت الوسطاء وعملية الوساطة في حي بولاق بالقاهرة([18]). فقد جاءت اتجاهات عينة البحث من المتنازعين نحو التقاضي ونظام المحكمة على النحو التالي (أنها استهلاك للوقت, مكلفة جداً بالنسبة لنا, مفسدة, يترتب عليها تداعيات, معقده جداً, ليست ملاءمة لأوضاعنا الخاصة, شديدة البيروقراطية, تحتاج لإصلاح, تخلق مشكلات جديدة, لا تتمشى مع القانون الإسلامي, تتحيز للأغنى والأقوى, إن قراراتها ليست مجبرة Enforceable)
وتقدم (اند هلEnid Hill) تفسيراً لوجود مثل هذه الأنساق القانونية اللارسمية في البلدان النامية والبلدان الرأسمالية تتمثل في رغبة بعض الجماعات في التعامل مع مشكلاتها القانونية خارج نطاق القانون الرسمي, كما أن هذه الجماعات تقابل بحاجز يتمثل في زرائعية Instrumentalities الدولـة بالنسبة للعدل, ويرجع السبب في ذلك أساسا أن النسق القانوني يتعامل معهم ويؤثر فيهم على أنه أداه للسيطرة الطبقية([19]). إلا أن عجز استخدام الأساليب لسكنى حي بولاق في الحصول على حقهم بالقانون محكوم أيضاً بعجزهم في تحقيق مستوى اقتصادي أفضل داخل المجتمع وكذلك عدم الاستفادة من مختلف الخدمات العامة (الإسكان, التعليم, الصحة, المياه النقية. الخ) وجميعها تمثل ظروف الحياة الضاغطة, كالفقر, ونقص الخدمات في بولاق. وهناك عدد من الأدلة الإمبيريقية الملائمة التي توضح أن الناس في حي بولاق لا يخلقون ويبقون على نسقهم القانوني الغير رسمي للتعامل مع المشكلات القانونية فحسب ولكن يخلقون ويبقون على أنساق أخرى أيضا للتعامل مع مشكلاتهم الأخرى. فيقيمون نظام اقتصادي خاص بهم (الجمعية) Credit System لافتقارهم إلى طريقة للوصول إلى النظم البنكية الرسمية, ولديهم نظامهم الأمني الخاص بهم ولهم نظمهم التعليمية الخاصة (التدريب على مهنه) ولهم نظامهم الصحي.
وتشير نتائج دراسة ميدانية أخرى أجريت على مجتمع ريفي بمحافظة الشرقية حول "أساليب حل النزاع ودور كبار السن في القرية المصرية" إلى رضاء كافة أطرف النزاع عن حل نزاعاتهم عن طريق المجالس العرفية لما تتمتع به من مصداقية وثقه وحياد وديمقراطية وأن أحكام هذه المجالس لها قوة الأحكام القضائية ولا تقل عنها. إلا أن الدراسة تؤكد على ضرورة تطوير نظام العمل بالمجالس العرفية كآلية لحل المنازعات الريفية ووجوب حضور بعض رجال القضاء الرسمي لهذه الجلسات إذا اقتضى الأمر([20]).
دراسة ميدانية أخرى تناولت "الوعي الاجتماعي والانتماءات الاجتماعية" لدى الشباب من الجنسين المنتمين إلى طبقات مختلفة (الطبقة العاملة– الطبقة البرجوازية الصغيرة– الطبقة البرجوازية المتوسطة) ومناطق مختلفة (ريفية– حضرية– عشوائية) وقد أظهرت أهم النتائج حول طبيعة الوعي الاجتماعي لطبقات العينة الثلاث غياب موقف طبقي واحد محدد لكل طبقة من الطبقات وازدياد الوعي وارتقاءه كلما ارتقى المستوى الاقتصادي الاجتماعي وأن التميع الطبقي الحادث في المجتمع المصري أثر على طبيعة الوعي الطبقي والاجتماعي وأكسبه تميعاً خاصاً به([21]).
دراسة ميدانية ثالثة تناولت "الوعي القانوني لدى اليابانيين والنزاعات الاجتماعية" وقد أخذ هذا الموضوع اهتمام كبير من الباحثين وكان من نتائج الأبحاث التي أجريت حول هذا الموضوع توضح أن اليابانيين يعارضون التقاضي أمام المحاكم ولا يميلون إليه, حيث أنهم يعتقدون أن الحق والواجب كلمات مطلقة المعنى وقد أثارت هذه النتائج نقاشات وجدل كبير لأنهم ينظرون للوعي القانوني بوصفه مجموع الاتجاهات والقيم حول القانون الياباني. وقد جاءت بنتائج غير واضحة ومحدده وذلك لعدم دقة تحديد مفهوم الوعي القانوني, والنزاعات الاجتماعية كما أنها لم تربط بين وعي المبحوثين, ووضعهم الطبقي وعلاقته بالمجتمع الياباني ككل وكذلك دوره في المنظومة الرأسمالية العالمية, وانتهت إلى المطالبة بضرورة تنمية وزيادة الوعي لدى المواطنين([22])
ودراسة أخرى تناولت "الوعي بالمشكلات وكيفية علاجها" واهتمت بشكل خاص بأشكال الوساطة التي تعالج المشكلات والتي وصلت إلى المحاكم والوعي الاجتماعي بها, وقد أجرى البحث في ولاية ماساشوستس في مدينتين (Salem, Combridge) ويهدف إلى أن المدعين يصلون بمشاكلهم للمحاكم على أنها آخر المطاف, وذلك عندما يطلبون العدل, وليس مجرد التصالح وجاءت أهم النتائج تشير إلى أن عمليات الصلح التي تمت ترتبط بنظام المجتمع بعيداً عن القانون والرسميات الخاصة به إلا أن الصلح كان يتم تحت سمع وبصر المحكمة والملاحظ أن التعامل مع الظاهرة والمشكلات ونوعها تعامل آنى وبالتالي جاءت ردود الأفعال وقرار التصالح دون تفسير حيث لم يتضح طبيعة تفكيرهم وسبب وصول مشكلاتهم في الأصل إلى المحاكم فماذا يريد هؤلاء الناس, ولماذا تصل بهم القضية لتلك الدرجة وما هو وعيهم الاجتماعي وفهمهم للقانون([23])
أما عن الدراسة الميدانية التي أجريت في قرية الدراسة فقد توصل الباحث إلى عدد من النتائج فمن خلال تحليل مضمون استجابات حالات الدراسة الميدانية لوحظ أن هناك اتفاقاً أساسياً بين حالات الدراسة حول أهمية ودور القانون ولكن التباين جاء في فهمه وطريقة وأسلوب النظر لتحقيق العدالة فنسبة 70% اقروا بأن اعتذار الآخر له إذا قام بالتعدي على حق من حقوقه والاعتراف بخطأه أمام الجميع مهما كانت الخسائر المادية أو المعنوية تعد أفضل نتيجة حصل عليها داخل المجتمع المحلي من أي شيء آخر يقرره القضاء.
وهذا يتفق والنتائج التي توضح أن اليابانيين يعارضون التقاضي أمام المحاكم ولا يميلون إليه([24]) وجاءت هذه النتائج على النقيض من نتائج بحث أجري عن المجتمع الأمريكي وذهب إلى تفضيل الأمريكان للذهاب بمشكلاتهم إلى المحاكم ([25]).
أما نسبة الـ 30% فترى أن الحصول على الحق عن طريق القانون يمثل حسب قولهم الأدب الشرعي لأن هناك نوعية من الناس لا تجدي معها الأساليب السلمية.
كما أظهرت النتائج أن من لديهم قناعة بأنهم في وضع طبقي متدني فقد انعكس هذا على الصورة الذهنية لديهم حول القانون صحيح أن لديهم فهم ورؤية محدده بأن لهم حقوق أساسية يكفلها لهم القانون إلا أن عجز الأساليب هي التي تقف عقبة كما أنها عملية لا تتم فجأة حيث تتدخل فيها عوامل داخلية ترتبط بطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع والبدائل التي يرونها لحياتهم والأفكار العامة التي تعكس الجوانب الثقافية كما ذهب إلى ذلك جيرتز([26]) ومستويات وأنماط السلوك وقيم الحياة لديهم فعلى حد قول إحدى الحالات (أنه مفيش حد يتكلم عليه بشيء ردي أو يعرف عنه حاجة ولو حدثت أي مشادة تسمع البعض يقول ده مش بتاع خناقات ولا مشاكل ده ميعرفش طريق قسم الشرطة منين) يعني هذا أن عدم الذهاب إلى قسم الشرطة يدل على أنه رجل حسن السير. إلا أن الجديد في الأمر أن قبول أي طرف من الأطراف للحل العرفي السائد يرجع في جزء كبير منه إلى طول الوقت الذي تستغرقه المحاكم في نظر القضايا وما يصاحب ذلك من تكاليف اقتصادية مرتفعة ومصاحبات ذلك كما أن النتائج غير مضمونة وتخضع لاعتبارات أخرى بين المحامين....الخ.
وهناك اتجاه عملى يسود بين القرويين في أن المحاكم لا تحل المشكلات بل تبدأها وأن الأفضل التسوية بالتراضي بالنسبة لحل أي مشكلة داخل نطاق القرية عن طريق كبار السن على جميع المستويات وبين طبقات المجتمع. وسلبية بالنسبة للجوء إلى المحاكم والملاحظ أن غالبية الحالات– ماعدا الحالات الكيدية التي يتم فيها ابتداع الكثير من الأساليب للنيل من الخصم– يهدفون إلى تحقيق العدل أو الحصول على حقوقهم – أيا كانت الوسيلة– وأن مشاعرهم سلبية تجاه القانون الرسمي وأجهزته.
وذهبت حالتان إلى أن القانون غير مهم ولكن الأهم هو المعارف والوساطة أو وجود محامي جيد أو الاعتماد على الوضع المادي أو العائلي.
أما عن طاعة القانون لأنه يحوز قبول البشر أم أن القوة تدعمه فقد جاءت استجابات الحالات مؤكدة أنه إذا كان القانون ترجمة لعادات وتقاليد المجتمع ولا يتعارض مع الشرع والأخلاق السائدة فإنه يحوز قبولاً من الناس أما إذا تعارض القانون مع ما سبق ومع مصالح البشر فإنهم يخرجون عليه دون النظر إلى التهديد بالقوة, فاقتناع الناس بالقاعدة القانونية يؤدي إلى احترامهم لها والعمل بها. ويؤكد ذلك دراسة ميدانية أجريت حول ظاهرة تعاطي الحشيش([27]) حيث أبدى الناس عدم اقتناع بالقاعدة القانونية وعدم احترامهم لها لذا لم تنخفض نسبه جرائم المخدرات على الرغم من تشديد العقوبة عليها....فالخوف من العقوبة القانونية يعتبر علامة قليلة الأهمية. وقد فسرت هيئة البحث هذا بأن القانون في واد والمتعاطيين في واد آخر, وخلص إلى وجود فجوة بين التشريع وبين الرأي العام والواقع الاجتماعي, فالمشرع يخطئ إذ يلجأ إلى العقاب دون بذل أي جهود صادقة لدراسة الواقع الذي يؤدي إلى المشكلة ومحاولة تغييره بأساليب اجتماعية (مقبولة) قبل الالتجاء إلى قوة القانون وأوامره وعقوباته القاسية. ودون محاولة جادة لإقناع المجتمع على أسس علمية سليمة بخطورة المشكلة وآثارها الضارة بالمجتمع بأكمله إن المشرع أحياناً في حمايته لمصلحة اجتماعية يتخذ اتجاهاً لا يتجاوب مع ضمير المجتمع, فتحدث فجوه بين المشرع واضع القاعدة القانونية وبين جماهير المكلفين بهذه القاعدة. وبذلك تسود رؤى متباينة في الفهم لدى القرويين.
أما عن التباين في الرؤية إلى القانون وقيمته في الماضي والحاضر فقد أجاب 60% بأن القانون في الماضي كان ينال احترام الجميع والمحافظة على النفس من الوقوع تحت طائلة القانون يدعم ذلك الأسرة الممتدة ودورها في التنشئة من خلال مقولات مثل" وأن هذا عيب في حقي أو الخوف على سمعه العائلة أو الأصول كذا" حسب ما جاء على لسان المبحوثين لذا فكان اللجوء إلى قسم الشرطة في أضيق الحدود أو يكاد يكون منعدم. صحيح أن معرفة الناس بالقانون لم تكن تمثل أهمية ربما لالتزام الناس في ظل علاقات الود والتدين والأخلاق الحسنه والضمير والحلال والحرام واستهجان أفراد المجتمع للخارجين عليه لدرجة أن من يعاقب بالحبس مثلاً أو يأتي بفعل مشين كان لا يستطيع أن يواجه الناس مرة أخرى ويسافر إلى مكان إقامة أخرى يؤكد ذلك ما توصلت إليه دراسة دكتور "حامد عمار"([28])
أما الآن فأصبح القانون هين على النفس ليس هناك تبجيل له بل إذا تكلمت مع أحد ولو أقرب الأقارب وتنصحه بأن هذا خطأ لا يسمع لك ويقول "إيه اللي ماشي صح" يعني هذا أنه واعي ويفهم موقفه وأنه يعترف بخطئه بل ويبرره بأنه ليس وحده وإنما هو سلوك عادي ومقبول بين الناس هذه الأيام.
إلا أن جميع الحالات تفضل وتدعم نظره الاحترام داخل القرية إلى كبير العائلة وهو أشبه بالقاضي فجميع أفراد العائلة ترجع إليه في حل مشاكلهم داخل محيط الأسرة والعائلة ومن العيب أننا نقف أمام بعضنا البعض في المحاكم, أما إذا كان الخلاف بين العائلات فيتم اللجوء إلى شخص يكون "مرضي" تقبله العائلتين إلا أنه وفي ظل ثورة المعلومات تغيرت بعض القيم وفقدت التقاليد والأعراف لبعض مكانتها إلا أن الجميع حتى ولو وصل الأمر بهم إلى الشرطة يتم الجلوس إلى مائدة المفاوضات والصلح داخل القرية إلى أن يتم حل الخلاف وتقديم محضر صُلح وينتهي الموضوع وهذا ما تؤكده نتائج الأبحاث السابقة التي عرضنا لها من قبول الوساطات ومحاولة الحل بعيداً عن المحاكم وتفضيل اللجوء إلى التراضي كما ذهب إلى ذلك نتائج بحث الوسطاء وعمليه الوساطة.