الجذر الثلاثي الصحيح عربيّـاً ( ح ج ج )\\حجَّ حِـجَّـاً : يعني زيارة يُـقأمُ بها إلى مكان مُـعَـظّـم . فـ "حجَّ " البيت العتيق : زاره وهو مضمر التعظيم والتقديس له في نفسه ، وليس مجرّد زيارة أو رحلة عادية اليه . وفي التنزيل العزيز: ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإنَّ الله غنيّ عن العالمين ) سورةآل عمران \97. وبالاستعمال الشرعي نرى عدم جواز استخدام مصطلح الحج إلا لثلاثــة الأماكن المقدســة ، التي قال فيها المصطفى عليه الصلاة والسلام :" لاتُشَـدُّ الرحال إلا إلى ثلاث:المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجدالأقـصـى". وهو حديث مروي في الصحيحين عن ابي هريرة رحمه الله ورضي عنه ، وجاء له شاهد أيضا من طريق أبي هريرة، وهوفي حديث أبي بصرة، أنه قال: لا تُعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد . وسبب ورود الحديث : لما جاء أبو هريرة من عند الطور، لقيه أبو بصرة فقال له : من أين جئت؟ قال: من عند الطور. قال: لو علمتُ بك، أو لو أدركتك قبل أن تخرجَ لبينْتُ لك. أو قال: لمنعتك. أو كما قال -رضي الله عنه-، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى .
والحج هو الركن الخامس من اركان الإسلام ، وقد ورد في بعض الآثار أن من مات ولم يحج ( طبعا مع قدرته على ذلك ) فليس عليه أن يموت يهوديا .... الحديث ، والفريضة المشار اليها يفعلها المسلم مرة في العمر ، والمسلمة في حال الاستطاعة وتجوز فيها النيابة كما يجوز لمن مات ولم يحج أن يحجَّ عنه وليُّـه ، ويشترط أن تكون من مال حلال طيب فالله لا يقبل الا طيبا ، ومن حجَّ من مالٍ حرام أو نجس فيصدق فيه قول الشاعر :
إذا حججْتَ بمالٍ أصلُـهُ دنسٌ = = = فما حججتَ ولكنْ حَجَّـتِ العيــرُ
إن الأمم تعيش وتخلد بعقائدها، لا بمبانيها وقصورها؛ يقول بعض المؤرِّخين الإغريق : لقد وجَدتُ في التاريخ مدنًا بلا حصون وبلا قصور، وبلا سدود وقناطر، ولكن لم توجد أبدًا مدنٌ بلا معابد ؛ لأن الإنسان يحتاج إلى العقيدة بطبيعته الفطرية المستودعة في داخله، ولأنَّ الإنسان يدرك بالعقيدة حقيقةَ نفسه ، ويتعرَّف على الكون وما فيه من آيات باهرة على قدرة الرب ـ عز وجل - من السموات والأرض، والجبال والبحار، والأنهار والأشجار، ويعرف من خلالها أنه لم يُخلق هَمَلاً، ولم يوجد عبثًا، ولم يُترك سُدًى، قال الشاعر :
ويعلم الحاج المسلم يقينًا أن الله هو الذي جعله خليفته في الأرض؛ ليُعلي كلمته، ويرفع رايته، ويُنفِّذ أمره، ويُطبِّق شِرعته، ويأتمر بأمره، وينهى عن نهيه، ويعمل بكتابه، فالعقيدةُ الإسلامية الصحيحة مَنبعها ومصدرها بلدُ الله الحرام: مكة المكرمة. والحاج لا يعبد وثناً حين يطوف بالكعبة ، ولا حين يقبِّل الحجر الاسود ، كان عمر الفاروق يقول وهو يستلم الحجر ويقبّله والناس جميعهم يسمعون قوله :
فالإنسان المسلم يحب مكة من صميم القلب؛ لِما حباها الله من مكان مرفوع، وشأن مرموقٍ، وأثر ملموس مشهود في بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة ، التي ينال بها صاحبها العزَّة والرِّفعة، والسعادة والكرامة في الدنيا والآخرة، وبدونها يكون شأنه كما جاء في القرآن الكريم : (( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ))سورة الحج\ 31 .
وفي مكة عند المسجد الحرام تجد بئر زمزم التي هي خير بئر على وجه الأرض؛ كما قال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «خير بئر على وجه الأرض بئر زمزم، وخير ماءٍ على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطُّعم، وشفاء من السقم»؛ معجم الطبراني الكبير «1ـ 98» .وثبتت صحة الاستشفاء به ، فهو كما ورد في الخبر الصحيح لما شُـرِبَ له .. وفي الحج عرفات الله ، جبل عرفة ، قال فيه المصطفى : " الحجُّ عَـرَفَـة " ومعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة ، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج ، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع ، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج ، المبيت بمزدلفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والمبيت في منى ، ولكن المعنى : أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج ، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له ، ولهذا قال أهل العلم : من فاته الوقوف فاته الحج . فالركن الأعظم من اركان الحج انما هم الوقوف بعرفة ، ولله در امير الشعراء حين يقول في عرفات :
ومن القصائد التى اشتهرت فى وصف رحلة الحج، قصيدة عمر بن أبى ربيعة التى يستغل فيها المناسك فى التغزل بمحبوبته ، مع ما عُرِف به الشاعر من تهتك ومجون مشهور، لكنه هنا يتفرغ لوصف الرحلة فى قصيدة يقول فى مطلعها:
حقا لقد شغلت مناسك الحج الشعراء على مر العصور، واحتلت من شعرهم مكانة كبيرة، وقد تنوعت أساليب تناولهم لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام. ويحمل تاريخ الأدب أبياتا عن الحج تعود إلى العصر الجاهلى قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم، فمن المعروف أن حج بيت الله الحرام كان يحتل مكانة عظيمة لدى الجاهليين قبل نزول الإسلام حتى من عبدة الأوثان، وكانت رعاية البيت وإطعام الحجيج والسقاية والسدانة شرفا تتسابق عليه القبائل، ومن أشهر الأبيات التى نقلت عن هذا العصر تلك الأبيات التى قالها "مضاض بن عمرو بن الحارث" (1)حينما فقدت قبيلته «جرهم» مكانتها فى خدمة الحجيج .
والعُمرة في الجذور بمعنى الحج تماما إلا أن العمرة تطلق على الزيارة النافلة للبيت الحرام وعلى مدار العام ، أما الحج فله أشهر معلومات ، وقت محدد ، ويطلق على الركن الخامس وهو الفريضة الاسلامية ،
وفي لغة الجذور تقول العرب : حَجَّ بنو فلانٍ فلاناً: أكثَروا التردُّد عليه. ( لاحظ انهم ماأكثروا التردد عليه الا لأنهم يمجدونه قبل الاسلام ) وحجَّ الجرحَ: سَبَرَه ليعرِفَ غَوْرَه ويُعالِجَه. وحجَّ فلاناً: أصاب حِجاجَ عينيه. وحجّه غلَبه بالحُجَّة. يقال: حاجَّهُ فحَجَّهُ.( أحَجَّ ) فلاناً: بعثه ليحجَّ البيتَ الحرام.( حاجَّه ) مُحاجَّة، وحِجاجاً: جادله. وفي التنزيل العزيز: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيْمَ في رَبِّهِ ).( احْتَجَّ ) عليه: أقامَ الحجَّة. وـ عارَضَه مُستنكراً فعله. ( لفظ مولد ) . و( تَحاجُّوا ): تجادَلوا.( الحاجّ ): مَن يحجُّ البيت الحَرَام. ( ج ) حُجَّاج، وحَجِيج. وقد يُفَكُّ الإدغام فيقال: حاجِجٌ.( الحاجَّة ): مؤنث الحاجّ. والحاجة شحمة الأذن.( الحَجَاج\بكسر الحاء وفتحها ) من كلِّ شيء: حرفه وناحيته. والحجاج: عَظْمُ الحاجب. ( جمعه ) أحِجَّة. والحجة الدليل والصك وسند البيع والالتزام ، ولا يزال اهل البادية والحورانيون يقولون : " اشتريت أرضا وكتبت بها "حجة " أي سند تمليك . والحجة السَّنَة أيضا . ( ج ) حِجج، وفي التنزيل العزيز: ( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) سـورة القصص\جزء الآية 27 في قصة الرجل الصالح مع سيدنا موسى عليهما السلام في أرضش مدين . و( ذو الحِجّة ) : آخر شــهور السنة الهجرية الاثني عشر، سُمّي بذلك لوقوع الحج فيه، يأتي بعد ذي القعدة . وهو ثاني الأشهر الحُرُم الثلاثة المتتابعة ، وهو شهرُ الحجّ وبعده محرّم الحرام. و( المِحْجاج ): الذي يُكثر الجَدل . والمحجاج أيضا : المِسْبار(أداة جراحية كالسفود الصغير ) ، يعرف به الطَّبيبُ غَوْرَ الجُرْح ، من قولهم حجَّ الجرح أي سبره واختبر عمقه ومدى خطورته . و( المَحَجَّة ): الطَّريق المستقيم . ( جمعها ) مَحاجُّ ومنه الحديث الشريف : " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك" . رواه احمد والترمذي وابن حبان والطبراني والحاكم وغيرهم باسناد صحيح . وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين وصحابته أجمعين ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ...
(1)هو مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي. وكان جده مضاض قد زوج ابنته رعلة ، إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، فولدت له إثنى عشر رجلاً أكبرهم قيذار ونابت. وكان أبوه إبراهيم عليه السلام أمرَهُ بذلك ، لأنه لما بنى مكة وأنزلها ابنه قدم عليه قدمة من قدماته، فسمع كلام العرب وقد كانت طائفة من جرهم نزلت هنالك مع إسماعيل ، فأعجبته لغتهم واستحسنها فأمر إسماعيل عليه السلام أن يتزوج إليهم ، فتزوج بنت مضاض بن عمرو، وكان سيدهم . وفق ما ذكر الازرقي في تاريخ مكة وابن اسـحق ، والله تعالى أعلم .