عندما ينتهي الحاج والمعتمر من الطواف بالبيت يأتي إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ ﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَهِم مُصَلَّى﴾ [البقرة: ١٢٥]، ويصلي خلفه ركعتين يقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والكافرون وفي الثانية الفاتحة والإخلاص، مقتديا بذلك بالنبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» ، ومن الحكمة في اختيار هاتين السورتين أعني الكافرون والإخلاص أن هاتين السورتين تسميان سورتا التوحيد، ﴿ قُل يَأَيُّهَا الكَفِرُونَ ﴾ سورة التوحيد العملي، وسورة ﴿قُلْ هُوَ الله أحد﴾ سورة التوحيد الاعتقادي.
عن جابر رضي الله عنه قال: عن حجة النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» : (قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص : ( قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد) ((١).
والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والإقبال عليه بكليته.
والخشوع روح الصلاة وحياتها، وصلاة بلا خشوع كبدن بلا روح، فالمؤمن عندما يقف أمام ربه مستحضرا عظمته، وأنه جل وعلا قبالة وجهه؛ يسمع قراءته وتسبيحه ودعاءه وتضرعه، فيخضع لذلك قلبه وينكسر فؤاده، محبة وهيبة وإجلالاً، حينها تعرج روحه إلى الملكوت الأعلى، فيقرب من ربه، ويقرب منه ربه كما قال تعالى: ﴿ وَاسْجُدْ واقترب ﴾ [العلق : ١٩]، وكما قال «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)(2)، ويكون هذا العروج وهذا القرب على قدر خشوعه، فيستروح بذلك صلة الرحمن ، وفيض المنان وحلاوة الإيمان، فيدخل منها لأبواب الجنان، جنات الدنيا قبل جنات الآخرة، وهي الأنس بالله وقربه، ولذة مناجاته، والخلو به جل وعلا، فيقوى بذلك قلبه، وتستريح نفسه من شعث الدنيا وغبارها وغصصها وكبدها.
ويقول رحمه الله في موضع آخر : (إن روح المصلي تقرب إلى الله في السجود، وإن كان بدنه متواضعًا؛ وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب) (4).
المراجع
- رواه الترمذي رقم (٨٦٩) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) رقم (٦٨٩).
- رواه مسلم رقم (٤٨٢).
- (مجموع الفتاوى) (٢٤١/٥).
- (مجموع الفتاوى) (٧/٦).