أحكام وفضائل ودعاء يوم الجمعة المبارك

وكالة البيارق الإعلامية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد فإن الله تعالى بحكمته فضَّل بَعْضَ الْأَيّامِ وَالشّهُورِ عَلَى بَعْضٍ، كما فضل بعض الأمكنة على بعض، وكما فضل بعض البشر على بعض، فشَهْرُ رَمَضَانَ خِيرَة الله مِنْ شُهُورِ الْعَامِ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خِيرَتُهُ مِنْ اللّيَالِيِ، وَمَكّةُ خِيرَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَمُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]  وإن من الأزمنة الفاضلة: يومَ الجمعة، فهو يومٌ عظيم، فضله الشرع، وميزه بخصائصَ لا يشاركه فيها غيرُه. عن أبي لبابة ابن عبد المنذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن يومَ الجمعة سيدُ الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل اللهَ فيها العبدُ شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة”[1]  وهو خير أيام الأسبوع، كما أن يوم النحر خيرُ أيام العام. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير يوم طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة”[2]  وهو عيدٌ من أعياد المسلمين يتكرر كل أسبوع. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – في يوم الجمعة -: “إن هذا يومُ عيدٍ جعله الله للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل”[3]  وكان يسمى في الجاهلية يومَ العروبة، فسمي في الإسلام يوم الجمعة لأن خَلْقَ آدم جُمع فيه، ولأن الناس يجتمعون فيه للصلاة [4] وهو الْيَوْمُ الّذِي تَفْزَعُ مِنْهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا الْإِنْسَ وَالْجِنّ، فعن أبي لبابة ابن عبد المنذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة”[5]  وَذَلِكَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَقُومُ فِيهِ السّاعَةُ، وَيُطْوَى الْعَالَمُ، وَتَخْرَبُ فِيهِ الدّنْيَا، وَيُبْعَثُ فِيهِ النّاسُ إلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الجنة والنار. ويوم الجمعة من الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3 ]، وجاء هذا التفسير عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم[6]  ومعنى الآية يتناول كل شاهد؛ كالنبي صلى الله عليه وسلم شاهدٌ على هذه الأمة، وهذه الأمة شهداء على الناس، وأعضاء الإنسان تشهد عليه، ويوم الجمعة شاهدٌ لمن حضره وقام بحقه. ويوم الجمعة يَوْمُ اجْتِمَاعِ النّاسِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالْمَبْدَأ وَالْمَعَادِ، وَقَدْ شَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلّ أُمّةٍ فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِتَذَكّرِ الْمَبْدَأ وَالْمَعَادِ وَالثّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيَتَذَكّرُونَ بِهِ اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ قِيَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبّ الْعَالَمِينَ، وهو اليوم الذي ادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا.  ولما كان هذا اليوم بهذه المنزلة فقد خصه الشارع بخصائص تميزه عن غيره. الخاصية الأولى: صلاة الجمعة وهِيَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عَرَفَةَ، وَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَقُرب أَهْلَ الْجَنّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَبَقَهُمْ إلَى الزّيَارَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنْ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَبْكِيرِهِمْ. عن أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: “لينتهين أقوام عن ودعهم – أي تركهم – الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين” [7]  قال النووي: وَمَعْنَى الْخَتْم الطَّبْع وَالتَّغْطِيَة[8] وقد خُصّتْ هذه الصلاة مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِخَصَائِصَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَاشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ، والوعيد الشديد على تركها.  وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة : 9], والأكثرون على أن ذكر الله في الآية؛ المراد به: صلاة الجمعة. وأما مبدأ الجمعة فجاء فيما رواه عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْت قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفّ بَصَرُهُ فَإِذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا؛ اسْتَغْفَرَ لِأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بنِ زُرارة فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْت: إنّ هَذَا لَعَجْزٌ أَلَا أَسْألَهُ عَنْ هَذَا فَخَرَجْتُ بِهِ كَمَا كُنْتُ أَخْرُجُ فَلَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ اسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقُلْت: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَك لِأَسْعَدَ بْنِ زُرارة كُلّمَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيّ كَانَ أَسْعَدُ أَوّلَ مَنْ جَمَعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَزْمِ النّبيتِ مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضَماتِ . قُلْتُ: فَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا[9]  قال الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله: ” قد جمع بهم أسعدُ بنُ زرارة وكانت أولَ جمعة جمعت في الإسلام, وكانوا أربعين رجلا ” [10] ثُمّ هاجر رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسّسَ مَسْجِدَهُمْ ثُمّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صَلّاهَا بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ تَأْسِيسِ مَسْجِدِهِ، ولم يصلها صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في مكة.  ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وصلاة الجمعة تقام في بلاد المسلمين كل جمعة في مشارق الأرض ومغاربها، وتعلن ويجهر بها كشعيرة من أعظم شعائر الدين الظاهرة. الخاصية الثانية: خطبة الجمعة وهذه الْخُطْبَة يُقْصَدُ بِهَا الثّنَاءُ عَلَى اللّهِ وَتَمْجِيدُهُ وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيّةِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِالرّسَالَةِ، وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ بِأَيّامِهِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ وَوَصِيّتِهِمْ بِمَا يُقَرّبُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ وَنَهْيِهِمْ عَمّا يُقَرّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ، فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا.  ونص الفقهاء رحمهم الله أن تقدم خطبتين على الصلاة شرط لصحتها لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وجاء عن سعيد بن المسيب في قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: 9] أن َالذِّكْرَ هُوَ الْخُطْبَةُ.  ويروى َعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قَصُرَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ[11] وكانت ولا زالت خطبتا الجمعة وسيلةً من أعظم وسائل الدعوة إلى الله، بتعليم العلم النافع، وتذكير الناس ووعظهم، والتنبيه على الأخطاء والمخالفات، وغير ذلك. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يخطب على منبر قدره ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ قَبْلَ اتّخَاذِهِ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ فقالت امْرَأَة مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتِ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ[12]  وكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حدَّث بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إلى لقائه [13] ومما ينبه عليه في موضوع الخطبة أمور: 1. وجوب الإنصات: فيجب على الحاضرين الإنصات للخطبة إلى الفراغ منها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ” [14] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا”[15]  ففرّق بين الاستماع والإنصات، فالاستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت. عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يحضر الجمعة ثلاثةُ نفر؛ رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}”[16]  ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو) : أَيْ مُشْتَغِلًا بِالدعاء حَال الْخُطْبَة حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْل سَمَاعه أَوْ كَمَالِهِ، فهذا إن شاء أعطاه وإن شاء منعه عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنْ اِشْتِغَاله بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاع الْخُطْبَة فَإِنَّهُ لَا يَجُوز[17] فالمشروع المسلم الإِقْبَالُ عَلَى الْخُطْبَة بقلبه وجوارحه، فينصت ويستمع، ولا يشتغل بأي أمر يشغله، كالجوال أو السواك أو العبث بالسجاد أو بالأصابع أو غير ذلك.  ويحسن التنبيه هنا على بعض المسائل، فمنها: السلام: فلا يجوز لمن دخل والإمام يخطب أن يسلم، فإن فعل فلا يجوز رد السلام عليه، لأن هذا كلام، وإنما يشير إليه بيده في الرد عليه. العطاس: فمن عطس أثناء الخطبة فيحمد سرا لا جهرا، فإن جهر فلا يجوز تشميته. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، والتأمين على الدعاء: لا بأس به، لكن يكون سرا، لئلا يشوش على غيره. الحذر من الانشغال عن الخطبة: للحديث السابق (ومن مس الحصى فقد لغا) [18] ، فدل هذا الحديث على النَّهي عن مَسِّ الْحَصَى وَغَيْره مِنْ أَنْوَاع الْعَبَث فِي حَالَة الْخُطْبَة, وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى إِقْبَال الْقَلْب وَالْجَوَارِح عَلَى الْخُطْبَة. وحين نتأمل؛ نجد أن المسلم يحضر في العام أكثر من خمسين خطبة، فما هو الأثر؟.  ههل رقت قلوبنا؟ هل زاد إيماننا؟ هل صلحت أحوالنا؟ هل تهذبت أخلاقنا؟ هل زادت حصيلتنا من العلم الشرعي النافع؟. إنها دعوة للخطيب والمستمع أن يولوا هذه الشعيرة حقها، ويزيدوا في الاهتمام بها. 3. الحذر من تخطي الرقاب: فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له: ” اجلس، فقد آذيت وآنيت” [19] ققَوْله (آذَيْت) أَيْ النَّاس بِتَخَطِّيك، (وَآنَيْت) كَآذَيْتَ وَزْنًا، أَيْ أَخَّرْت الْمَجِيء وَأَبْطَأْت. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا” [20]  ومما يتعلق بهذا ما يفعله بعض الناس من حجز مكان لهم يوم الجمعة، ثم يحضر متأخرا ويتخطى رقاب الناس، ويحصل هذا في بعض الجوامع الكبيرة كالحرمين الشريفين، وهذا لا يجوز، قال ابن تيمية: “ليس لأحد أن يفرش شيئا ويختص به مع غيبته ويمنع به غيره، هذا غصبٌ لتلك البقعة ومنع للمسلمين مما أمر الله تعالى به من الصلاة. والسنة أن يتقدم الرجل بنفسه، وأما من يتقدم بسجادة فهو ظالم ينهى عنه، ويجب رفع تلك السجاجيد ويمكن الناس من مكانها”[21] ويستثنى من التحريم صورتان: الأولى: إذا كان في المسجد وخرج لعارض كقضاء حاجة أو تجديد وضوء، ونحو ذلك، فله ذلك، وهو أحق بالمكان. الثانية: إذا كان في المسجد لم يخرج منه. 4. الدنو من الإمام: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها ” [22] وعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ أجر صيامها وقيامها” [23]  وقوله: بَكَّرَ – بِالتَّشْدِيدِ – أَيْ رَاحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَابْتَكَرَ أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ. والدنو من الإمام أقرب إلى حضور القلب، والانتفاع من الخطبة، وهو علامة على الاهتمام والحرص عليها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ” [24] 5. النعاس في الخطبة: فقد جاءت السنة بالتنبيه على هذا الأمر وعلاجه، وذلك فيما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ” [25] قَوْلُهُ: (فَلْيَتَحَوَّلْ) أَيْ فَلْيَنْتَقِلْ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ. قال أهل العلم: وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُذْهِبُ النُّعَاسَ. 6. الحبوة في الخطبة: عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب [26] والْحُبْوَة: هِيَ أَنْ يجلس الإنسان على مقعدته، وينصب ساقيه، ويجمع رجليه إلى بطنه بِثَوْبٍ يَجْمَعهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْره، وَقَدْ يَكُون الِاحْتِبَاء بِالْيَدَيْنِ عِوَض الثَّوْب. والحديث متكلم فيه، فإن كان يترتب على الاحتباء انكشاف العورة فهو محرم، وإن كان يجلب النعاس فهو مكروه، ولذا من أراد الاحتباء فليحتب بيديه، كي ينتبه إن ورد عليه النعاس ومبادئ النوم، بخلاف من احتبى برباط فإنه ربما نام ولم يشعر.  وإن لم يترتب على الاحتباء شيء مما سبق فهو جائز. الخاصية الثالثة: اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: “أَكْثِرُوا الصّلَاةِ عَلَيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ” [27] وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَيّدُ الْأَنَامِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيّدُ الْأَيّامِ، فَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. وحسبكم في الصلاة عليه ما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشرُ خطيئات، ورفعت له عشرُ درجات” [28]  والمراد بصلاة الله على العبد أن يثني عليه في الملأ الأعلى. فإذا سألت الله أن يثني على رسوله مرة واحدة؛ أثنى الله عليك باسمك عشر مرات في الملأ الأعلى. الخاصية الرابعة: مشروعية الاغْتِسَالِ وَهُوَ مُؤَكّدٌ جِدّا، والجمهور على استحبابه، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ” [29]  ووقت الغسل يوم الجمعة يبدأ من طلوع الفجر الثاني، والأفضل أن يكون الغسل عند الرواح إلى الجمعة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل “ [30] الخاصية الخامسة: استحباب التّطَيّبُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التّطَيّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ. الخاصية السادسة: استحباب السّوَاكُ وَلَهُ مَزِيّةٌ عَلَى السّوَاكِ فِي غَيْرِهِ. الخاصية السابعة: استحباب لبس أَحْسَنُ الثّيَابِ لأنه عيد الأسبوع ومجمع من مجامع المسلمين، فيحضره المسلم نظيفا طيب الرائحة. عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى “ [31]  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواكٌ، ويمس من الطيب ما قدر عليه”[32]  وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا” [33] الخاصية الثامنة: استحباب التبكير إلى الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر” [34]  ومعنى الحديث أن يقسم الزمن بين طلوع الشمس وخروج الإمام خمسة أقسام، فيكون كل قسم هو الساعة المذكورة في الحديث. وجاء عن عَبْدُ اللّهِ بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سَارِعُوا إِلَيَّ الْجُمَعِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ مُسَارَعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْجُمَعِ، فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ فِيمَا خَلَا، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا قَدْ أَحْدَثَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ” قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ سَبَقَهُ رَجُلَانِ، فَقَالَ: «رَجُلَانِ وَأَنَا الثَّالِثُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ يُبَارِكُ فِي الثَّالِثِ» [35]  والواقع المشاهد؛ التفريطُ الكبير في هذا الخير، حتى فاتت البيضة على كثير من المصلين، لأنه لم يحضر إلا بعد خروج الإمام!. الخاصية التاسعة : قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ لقول أبي سعيد رضي الله عنه: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق [36] وعنه رضي الله عنه قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق. [37] ومثله لا يقال من قبيل الرأي فله حكم الرفع. فيكون وقت قراءتها ليلة الجمعة ويوم الجمعة. الخاصية العاشرة: استحباب تطييب المسجد لما جاء عن عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رضي الله عنه أنه أمر أن يجمر المسجد – مسجد المدينة – كل يوم جمعة حين ينتصف النهار” [38] فينبغي للقائمين على الجوامع أن يراعوا هذا الأمر, ويحرصوا على تطييب المسجد في هذا الوقت. الخاصية الحادية عشرة: يوم المغفرة والتكفير فهو يوم تكفير السيئات، واليوم الذي يغفر الله لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر”. [39] بل إن ذلك الثواب يتعدى الأسبوع إلى عشرة أيام، لأن الحسنة بعشرة أمثالها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا “ [40]  الخاصية الثانية عشرة: عدم تسجير جهنم فيه فنار جَهَنّمَ تُسَجّرُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . قال ابن القيم: “وَسِرّ ذَلِكَ – وَاَللّهُ أَعْلَمُ – أَنّ الجمعة أَفْضَلُ الْأَيّامِ عِنْدَ اللّهِ وَيَقَعُ فِيهِ مِنْ الطّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالدّعَوَاتِ وَالِابْتِهَالِ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْجِيرِ جَهَنّمَ فِيهِ . وَلِذَلِكَ تَكُونُ مَعَاصِي أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ أَقَلّ مِنْ مَعَاصِيهِمْ فِي غَيْرِهِ حَتّى إنّ أَهْلَ الْفُجُورِ لَيَمْتَنِعُونَ فِيهِ مِمّا لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ فِي يَوْمِ السّبْتِ وَغَيْرِهِ. والْمُرَادَ سَجْرُ جَهَنّمَ فِي الدّنْيَا وَأَنّهَا تُوقَدُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَمّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنّهُ لَا يَفْتُرُ عَذَابُهَا وَلَا يُخَفّفُ عَنْ أَهْلِهَا الّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا يَوْمًا مِنْ الْأَيّامِ، وَلِذَلِكَ يَدْعُونَ الْخَزَنَةَ أَنْ يَدْعُوَا رَبّهُمْ لِيُخَفّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ فَلَا يُجِيبُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ”. [41]  الخاصية الثالثة عشرة: ساعة الإجابة وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي لَا يَسْأَلُ اللّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ. عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: “إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي يَسْأَلُ اللّهَ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ، وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلّلُهَا”. [42]  وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر” . [43] وعن أَبِي سَلَمَة بن عَبْد اَلرَّحْمَن أَنَّ نَاسًا مِنْ اَلصَّحَابَةِ اِجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَة اَلْجُمُعَة ثُمَّ افتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَة مِنْ يَوْم اَلْجُمُعَةِ.[44]  فهذا قول جمهور الصحابة والتابعين. فهي زمن يسير في آخر ساعة بعد العصر. قَالَ ابن عُمَرُ : إنْ طَلَبَ حَاجَةٍ فِي يَوْمٍ لَيَسِيرٌ. وما منا أحدٌ إلا وله حاجات ورغبات في دنياه وأخراه، فما أجمل أن يغتنم المسلم مثل هذه الساعات وينطرح بين يدي مولاه سائلا متضرعا، مخبتا ومبتهلا إليه فدونكم هذه الساعة في هذا اليوم، وفي كل جمعة.  أحكام فقهية مهمة لعل من المهم والمفيد التنبيهَ على بعض الأحكام المتعلقة بيوم الجمعة، فمن ذلك:  1. يحرم السفر على من تلزمه الجمعة بعد النداء الثاني إلا لضرورة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].  ويستثنى من التحريم صورتان: أ‌. إذا خاف فواتَ الرفقة، ونحوه أن يخشى فوات الطائرة. ب‌. إن كان يمكنه أن يأتي بالجمعة في طريقه، لأن علةَ التحريمِ خوفُ فواتِ الجمعةِ وقد زالت هنا. وأما السفر قبل النداء الثاني فهو جائز، وإن كان يترتب على سفره قبل النداء تفويت الجمعة؛ فالأفضل أن يؤخره بعد الصلاة لئلا يفوته فضل الجمعة. والمسافرُ على الصحيح تنعقدُ به الجمعةُ، ويصح أن يكون إماما وخطيبا فيها، لعدم الدليل على المنع. 2. صلاة الجمعة صلاة مستقلة فليست ظهرا ولا بدلا عن الظهر، ويترتب على ذلك أنها لا تجمع مع العصر، لأن الذي يجمع مع العصر هو صلاة الظهر.  ومن صور ذلك ما يحصل لبعض الناس حين يكون في مكة ويريد السفر بعد صلاة الجمعة، فإذا صلى الجمعة في الحرم قام وصلى العصر ركعتين، والصواب: أنه لا يصلي العصر بل يسافر، فإذا دخل وقت العصر صلاها قصرا حيث أدركته الصلاة. 3. يكره تخصيص يوم الجمعة بصيام، أو تخصيص ليلتها بقيام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم” [45] ؛ والمنهي عنه تخصيصه أما إن وقع في صوم معتاد كيوم عرفة، أو صام يوما قبله أو بعده فلا بأس.  4. ليس للجمعة سنة قبلية، بل يصلي المسلم ما قدر له قبل الصلاة، وأما بعد الصلاة فالسنة أن يصلي بعدها أربعا، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا “ [46] .  5. صلاة الجمعة لا تجوز إقامتها في البراري، بل لابد أن يكونوا مقيمين مستوطنين ببلد، ثلاثة فأكثر، وعلى هذا فلو خرج جماعة إلى البر للنزهة فإنهم لا يصلون الجمعة ولو كانوا مائة ولا تصح منهم لو صلوها، بل يصلونها ظهرا، وهكذا سكان البادية الذين لم يقيموا بالمكان.  6. إدراك الجمعة يكون بإدراك ركعة منها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة” [47] ؛ فمن دخل مع الإمام بعد قيامه من الركعة الثانية فيجب عليه أن يصليها ظهرا أربعا.  7. إذا دخل المسلمُ المسجدَ والمؤذن يؤذن الثاني، فإنه يصلي تحية المسجد ولا يشتغل بإجابة المؤذن لأجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة، لأن استماعها واجب، وإجابة المؤذن سنة، والواجب مقدم.  فضائل يوم الجمعة عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) . رواه مسلم (856) .  قال النووي :  قَالَ الْقَاضِي : الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ , لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ , فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّة مُبَيَّنًا , وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل , فَقِيلَ لَهُ : دَعْهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ , بَلْ كَانَ يَقُول : خَالَفُوا فِيهِ , قُلْت : وَيُمْكِن أَنْ يَكُون أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَم تَعْيِينه أَمْ لَهُمْ إِبْدَاله ؟ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله اهـ .  وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه ثم يخالفون .  قال الحافظ : كيف لا وهم القائلون (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) !! اهـ  وعن أوس بن أوس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام ) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) .  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ) . رواه مسلم (1410) .  فتضمن هذا الحديث بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة .  قال النووي :  قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا . وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ .  وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ : خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) . رواه ابن ماجه (1084) . وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (2279) .  قال السندي :  ( يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة ) مِنْ قِيَام السَّاعَة ، وَفِيهِ أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعَيْنِهَا ، وَأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ  ومن فضائل هذا اليوم :  1- فيه صلاة الجمعة ، وهي أفضل الصلوات :  قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .  روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) .  2- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه .  عن ابن عمر قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان" . وصححه الألباني في صحيح الجامع (1119) .  ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى ، وسورة الإنسان في الثانية .  عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ ( الم تَنْزِيلُ ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) . رواه البخاري ( 851 ) ومسلم ( 880 ) .  قال الحافظ ابن حجر :  قِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ   3- أن من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر .  عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49 ، 50) .  هذه بعض فضائل يوم الجمعة ، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته .  أيها المسلمون .. عظموا هذا اليوم واغتنموا بركته وخيره، واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد كان مِنْ هَدْيِهِ تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، ومن نعمة الله أنه يومُ إجازة، فلئن اشتغل المرء بالنزهة واللعب مع أصحابه وأولاده يومَ السبت، فما أجمل أن يكون يومُ الجمعة نزهةً روحية يتصل بها العبد مع ربه ويغلب فيه جانب التعبد بالمكث في المسجد، والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، وتحري ساعة الإجابة والتضرع إلى المولى بالدعاء والطلب. يا من إليه جميعُ الخلقِ يبتهلُ     ***     وكل حيٍّ على رحماهُ يتكلُ أنت الملاذُ إذا ما أزمةٌ شملت     ***     وأنت ملجأُ من ضاقتْ به الحيلُ أنت المُنادى به في كلِّ حادثةٍ     ***     أنت الإلهُ وأنت الذخرُ والأملُ أنت الغياثُ لمن سُدَّت مذاهبُهُ     ***     أنت الدليلُ لمن ضَلَّتْ به السبلُ

شبكة المدونون العرب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد

فإن الله تعالى بحكمته فضَّل بَعْضَ الْأَيّامِ وَالشّهُورِ عَلَى بَعْضٍ، كما فضل بعض الأمكنة على بعض، وكما فضل بعض البشر على بعض، فشَهْرُ رَمَضَانَ خِيرَة الله مِنْ شُهُورِ الْعَامِ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خِيرَتُهُ مِنْ اللّيَالِيِ، وَمَكّةُ خِيرَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَمُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]

وإن من الأزمنة الفاضلة: يومَ الجمعة، فهو يومٌ عظيم، فضله الشرع، وميزه بخصائصَ لا يشاركه فيها غيرُه.

عن أبي لبابة ابن عبد المنذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن يومَ الجمعة سيدُ الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل اللهَ فيها العبدُ شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة”

وهو خير أيام الأسبوع، كما أن يوم النحر خيرُ أيام العام.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير يوم طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة”

وهو عيدٌ من أعياد المسلمين يتكرر كل أسبوع.

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – في يوم الجمعة -: “إن هذا يومُ عيدٍ جعله الله للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل”

وكان يسمى في الجاهلية يومَ العروبة، فسمي في الإسلام يوم الجمعة لأن خَلْقَ آدم جُمع فيه، ولأن الناس يجتمعون فيه للصلاة  وهو الْيَوْمُ الّذِي تَفْزَعُ مِنْهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا الْإِنْسَ وَالْجِنّ، فعن أبي لبابة ابن عبد المنذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة”.
وَذَلِكَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَقُومُ فِيهِ السّاعَةُ، وَيُطْوَى الْعَالَمُ، وَتَخْرَبُ فِيهِ الدّنْيَا، وَيُبْعَثُ فِيهِ النّاسُ إلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الجنة والنار.

ويوم الجمعة من الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3 ]، وجاء هذا التفسير عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

ومعنى الآية يتناول كل شاهد؛ كالنبي صلى الله عليه وسلم شاهدٌ على هذه الأمة، وهذه الأمة شهداء على الناس، وأعضاء الإنسان تشهد عليه، ويوم الجمعة شاهدٌ لمن حضره وقام بحقه.

ويوم الجمعة يَوْمُ اجْتِمَاعِ النّاسِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالْمَبْدَأ وَالْمَعَادِ، وَقَدْ شَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلّ أُمّةٍ فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِتَذَكّرِ الْمَبْدَأ وَالْمَعَادِ وَالثّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيَتَذَكّرُونَ بِهِ اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ قِيَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبّ الْعَالَمِينَ، وهو اليوم الذي ادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا.

ولما كان هذا اليوم بهذه المنزلة فقد خصه الشارع بخصائص تميزه عن غيره.

الخاصية الأولى: صلاة الجمعة

وهِيَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عَرَفَةَ، وَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَقُرب أَهْلَ الْجَنّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَبَقَهُمْ إلَى الزّيَارَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنْ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَبْكِيرِهِمْ.

عن أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: “لينتهين أقوام عن ودعهم – أي تركهم – الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين” 

قال النووي: وَمَعْنَى الْخَتْم الطَّبْع وَالتَّغْطِيَة

وقد خُصّتْ هذه الصلاة مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِخَصَائِصَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَاشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ، والوعيد الشديد على تركها.

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة : 9], والأكثرون على أن ذكر الله في الآية؛ المراد به: صلاة الجمعة.

وأما مبدأ الجمعة فجاء فيما رواه عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْت قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفّ بَصَرُهُ فَإِذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا؛ اسْتَغْفَرَ لِأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بنِ زُرارة فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْت: إنّ هَذَا لَعَجْزٌ أَلَا أَسْألَهُ عَنْ هَذَا فَخَرَجْتُ بِهِ كَمَا كُنْتُ أَخْرُجُ فَلَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ اسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقُلْت: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَك لِأَسْعَدَ بْنِ زُرارة كُلّمَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيّ كَانَ أَسْعَدُ أَوّلَ مَنْ جَمَعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَزْمِ النّبيتِ مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضَماتِ . قُلْتُ: فَكَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا

قال الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله: ” قد جمع بهم أسعدُ بنُ زرارة وكانت أولَ جمعة جمعت في الإسلام, وكانوا أربعين رجلا ”.

ثُمّ هاجر رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسّسَ مَسْجِدَهُمْ ثُمّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صَلّاهَا بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ تَأْسِيسِ مَسْجِدِهِ، ولم يصلها صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في مكة.

ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وصلاة الجمعة تقام في بلاد المسلمين كل جمعة في مشارق الأرض ومغاربها، وتعلن ويجهر بها كشعيرة من أعظم شعائر الدين الظاهرة.

الخاصية الثانية: خطبة الجمعة

وهذه الْخُطْبَة يُقْصَدُ بِهَا الثّنَاءُ عَلَى اللّهِ وَتَمْجِيدُهُ وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيّةِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِالرّسَالَةِ، وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ بِأَيّامِهِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ وَوَصِيّتِهِمْ بِمَا يُقَرّبُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ وَنَهْيِهِمْ عَمّا يُقَرّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ، فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا.

ونص الفقهاء رحمهم الله أن تقدم خطبتين على الصلاة شرط لصحتها لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وجاء عن سعيد بن المسيب في قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: 9] أن َالذِّكْرَ هُوَ الْخُطْبَةُ.

ويروى َعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : قَصُرَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ.
وكانت ولا زالت خطبتا الجمعة وسيلةً من أعظم وسائل الدعوة إلى الله، بتعليم العلم النافع، وتذكير الناس ووعظهم، والتنبيه على الأخطاء والمخالفات، وغير ذلك.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يخطب على منبر قدره ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ قَبْلَ اتّخَاذِهِ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ فقالت امْرَأَة مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتِ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ.

وكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حدَّث بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إلى لقائه.

ومما ينبه عليه في موضوع الخطبة أمور:

1. وجوب الإنصات:

فيجب على الحاضرين الإنصات للخطبة إلى الفراغ منها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ” 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا”.

ففرّق بين الاستماع والإنصات، فالاستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت.

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يحضر الجمعة ثلاثةُ نفر؛ رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}”.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو) : أَيْ مُشْتَغِلًا بِالدعاء حَال الْخُطْبَة حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْل سَمَاعه أَوْ كَمَالِهِ، فهذا إن شاء أعطاه وإن شاء منعه عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنْ اِشْتِغَاله بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاع الْخُطْبَة فَإِنَّهُ لَا يَجُوز.

فالمشروع المسلم الإِقْبَالُ عَلَى الْخُطْبَة بقلبه وجوارحه، فينصت ويستمع، ولا يشتغل بأي أمر يشغله، كالجوال أو السواك أو العبث بالسجاد أو بالأصابع أو غير ذلك.

ويحسن التنبيه هنا على بعض المسائل، فمنها:

  • السلام: فلا يجوز لمن دخل والإمام يخطب أن يسلم، فإن فعل فلا يجوز رد السلام عليه، لأن هذا كلام، وإنما يشير إليه بيده في الرد عليه.
  • العطاس: فمن عطس أثناء الخطبة فيحمد سرا لا جهرا، فإن جهر فلا يجوز تشميته.
  • الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، والتأمين على الدعاء: لا بأس به، لكن يكون سرا، لئلا يشوش على غيره.
  • الحذر من الانشغال عن الخطبة:
للحديث السابق (ومن مس الحصى فقد لغا)  ، فدل هذا الحديث على النَّهي عن مَسِّ الْحَصَى وَغَيْره مِنْ أَنْوَاع الْعَبَث فِي حَالَة الْخُطْبَة, وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى إِقْبَال الْقَلْب وَالْجَوَارِح عَلَى الْخُطْبَة.

وحين نتأمل؛ نجد أن المسلم يحضر في العام أكثر من خمسين خطبة، فما هو الأثر؟.

ههل رقت قلوبنا؟ هل زاد إيماننا؟ هل صلحت أحوالنا؟ هل تهذبت أخلاقنا؟ هل زادت حصيلتنا من العلم الشرعي النافع؟.
إنها دعوة للخطيب والمستمع أن يولوا هذه الشعيرة حقها، ويزيدوا في الاهتمام بها.

3. الحذر من تخطي الرقاب:

فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له: ” اجلس، فقد آذيت وآنيت”
ققَوْله (آذَيْت) أَيْ النَّاس بِتَخَطِّيك، (وَآنَيْت) كَآذَيْتَ وَزْنًا، أَيْ أَخَّرْت الْمَجِيء وَأَبْطَأْت.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا” .

ومما يتعلق بهذا ما يفعله بعض الناس من حجز مكان لهم يوم الجمعة، ثم يحضر متأخرا ويتخطى رقاب الناس، ويحصل هذا في بعض الجوامع الكبيرة كالحرمين الشريفين، وهذا لا يجوز، قال ابن تيمية: “ليس لأحد أن يفرش شيئا ويختص به مع غيبته ويمنع به غيره، هذا غصبٌ لتلك البقعة ومنع للمسلمين مما أمر الله تعالى به من الصلاة. والسنة أن يتقدم الرجل بنفسه، وأما من يتقدم بسجادة فهو ظالم ينهى عنه، ويجب رفع تلك السجاجيد ويمكن الناس من مكانها”.

ويستثنى من التحريم صورتان:

  • الأولى: إذا كان في المسجد وخرج لعارض كقضاء حاجة أو تجديد وضوء، ونحو ذلك، فله ذلك، وهو أحق بالمكان.
  • الثانية: إذا كان في المسجد لم يخرج منه.

4. الدنو من الإمام:

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها ”

وعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ أجر صيامها وقيامها”.

وقوله: بَكَّرَ – بِالتَّشْدِيدِ – أَيْ رَاحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَابْتَكَرَ أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ.
والدنو من الإمام أقرب إلى حضور القلب، والانتفاع من الخطبة، وهو علامة على الاهتمام والحرص عليها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ”.

5. النعاس في الخطبة:

فقد جاءت السنة بالتنبيه على هذا الأمر وعلاجه، وذلك فيما رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ” .
قَوْلُهُ: (فَلْيَتَحَوَّلْ) أَيْ فَلْيَنْتَقِلْ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ. قال أهل العلم: وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُذْهِبُ النُّعَاسَ.

6. الحبوة في الخطبة:

عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب .
والْحُبْوَة: هِيَ أَنْ يجلس الإنسان على مقعدته، وينصب ساقيه، ويجمع رجليه إلى بطنه بِثَوْبٍ يَجْمَعهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْره، وَقَدْ يَكُون الِاحْتِبَاء بِالْيَدَيْنِ عِوَض الثَّوْب.

والحديث متكلم فيه، فإن كان يترتب على الاحتباء انكشاف العورة فهو محرم، وإن كان يجلب النعاس فهو مكروه، ولذا من أراد الاحتباء فليحتب بيديه، كي ينتبه إن ورد عليه النعاس ومبادئ النوم، بخلاف من احتبى برباط فإنه ربما نام ولم يشعر.

وإن لم يترتب على الاحتباء شيء مما سبق فهو جائز.

الخاصية الثالثة: اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم

لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: “أَكْثِرُوا الصّلَاةِ عَلَيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ”.
وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَيّدُ الْأَنَامِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيّدُ الْأَيّامِ، فَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ.

وحسبكم في الصلاة عليه ما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشرُ خطيئات، ورفعت له عشرُ درجات” .

والمراد بصلاة الله على العبد أن يثني عليه في الملأ الأعلى. فإذا سألت الله أن يثني على رسوله مرة واحدة؛ أثنى الله عليك باسمك عشر مرات في الملأ الأعلى.

الخاصية الرابعة: مشروعية الاغْتِسَالِ

وَهُوَ مُؤَكّدٌ جِدّا، والجمهور على استحبابه، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ” [29]

ووقت الغسل يوم الجمعة يبدأ من طلوع الفجر الثاني، والأفضل أن يكون الغسل عند الرواح إلى الجمعة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل “ .

الخاصية الخامسة: استحباب التّطَيّبُ

وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التّطَيّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ.

الخاصية السادسة: استحباب السّوَاكُ

وَلَهُ مَزِيّةٌ عَلَى السّوَاكِ فِي غَيْرِهِ.

الخاصية السابعة: استحباب لبس أَحْسَنُ الثّيَابِ

لأنه عيد الأسبوع ومجمع من مجامع المسلمين، فيحضره المسلم نظيفا طيب الرائحة.

عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى “.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواكٌ، ويمس من الطيب ما قدر عليه”.

وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا”.

الخاصية الثامنة: استحباب التبكير إلى الجمعة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر” .

ومعنى الحديث أن يقسم الزمن بين طلوع الشمس وخروج الإمام خمسة أقسام، فيكون كل قسم هو الساعة المذكورة في الحديث.

وجاء عن عَبْدُ اللّهِ بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سَارِعُوا إِلَيَّ الْجُمَعِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ مُسَارَعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْجُمَعِ، فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ فِيمَا خَلَا، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا قَدْ أَحْدَثَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ” قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ سَبَقَهُ رَجُلَانِ، فَقَالَ: «رَجُلَانِ وَأَنَا الثَّالِثُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ يُبَارِكُ فِي الثَّالِثِ» .

والواقع المشاهد؛ التفريطُ الكبير في هذا الخير، حتى فاتت البيضة على كثير من المصلين، لأنه لم يحضر إلا بعد خروج الإمام!.

الخاصية التاسعة : قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ

لقول أبي سعيد رضي الله عنه: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق .
وعنه رضي الله عنه قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق. 
ومثله لا يقال من قبيل الرأي فله حكم الرفع.
فيكون وقت قراءتها ليلة الجمعة ويوم الجمعة.

الخاصية العاشرة: استحباب تطييب المسجد

لما جاء عن عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رضي الله عنه أنه أمر أن يجمر المسجد – مسجد المدينة – كل يوم جمعة حين ينتصف النهار” .
فينبغي للقائمين على الجوامع أن يراعوا هذا الأمر, ويحرصوا على تطييب المسجد في هذا الوقت.

الخاصية الحادية عشرة: يوم المغفرة والتكفير

فهو يوم تكفير السيئات، واليوم الذي يغفر الله لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر”.

بل إن ذلك الثواب يتعدى الأسبوع إلى عشرة أيام، لأن الحسنة بعشرة أمثالها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا “.

الخاصية الثانية عشرة: عدم تسجير جهنم فيه

فنار جَهَنّمَ تُسَجّرُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ .

قال ابن القيم: “وَسِرّ ذَلِكَ – وَاَللّهُ أَعْلَمُ – أَنّ الجمعة أَفْضَلُ الْأَيّامِ عِنْدَ اللّهِ وَيَقَعُ فِيهِ مِنْ الطّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالدّعَوَاتِ وَالِابْتِهَالِ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْجِيرِ جَهَنّمَ فِيهِ . وَلِذَلِكَ تَكُونُ مَعَاصِي أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ أَقَلّ مِنْ مَعَاصِيهِمْ فِي غَيْرِهِ حَتّى إنّ أَهْلَ الْفُجُورِ لَيَمْتَنِعُونَ فِيهِ مِمّا لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ فِي يَوْمِ السّبْتِ وَغَيْرِهِ. والْمُرَادَ سَجْرُ جَهَنّمَ فِي الدّنْيَا وَأَنّهَا تُوقَدُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَمّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنّهُ لَا يَفْتُرُ عَذَابُهَا وَلَا يُخَفّفُ عَنْ أَهْلِهَا الّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا يَوْمًا مِنْ الْأَيّامِ، وَلِذَلِكَ يَدْعُونَ الْخَزَنَةَ أَنْ يَدْعُوَا رَبّهُمْ لِيُخَفّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ فَلَا يُجِيبُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ”. 

الخاصية الثالثة عشرة: ساعة الإجابة

وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي لَا يَسْأَلُ اللّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: “إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي يَسْأَلُ اللّهَ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ، وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلّلُهَا”.

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر” .

وعن أَبِي سَلَمَة بن عَبْد اَلرَّحْمَن أَنَّ نَاسًا مِنْ اَلصَّحَابَةِ اِجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَة اَلْجُمُعَة ثُمَّ افتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَة مِنْ يَوْم اَلْجُمُعَةِ.

فهذا قول جمهور الصحابة والتابعين.
فهي زمن يسير في آخر ساعة بعد العصر. قَالَ ابن عُمَرُ : إنْ طَلَبَ حَاجَةٍ فِي يَوْمٍ لَيَسِيرٌ.

وما منا أحدٌ إلا وله حاجات ورغبات في دنياه وأخراه، فما أجمل أن يغتنم المسلم مثل هذه الساعات وينطرح بين يدي مولاه سائلا متضرعا، مخبتا ومبتهلا إليه فدونكم هذه الساعة في هذا اليوم، وفي كل جمعة.

أحكام فقهية مهمة

لعل من المهم والمفيد التنبيهَ على بعض الأحكام المتعلقة بيوم الجمعة، فمن ذلك:

1. يحرم السفر على من تلزمه الجمعة بعد النداء الثاني إلا لضرورة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

ويستثنى من التحريم صورتان:
أ‌. إذا خاف فواتَ الرفقة، ونحوه أن يخشى فوات الطائرة.
ب‌. إن كان يمكنه أن يأتي بالجمعة في طريقه، لأن علةَ التحريمِ خوفُ فواتِ الجمعةِ وقد زالت هنا.
وأما السفر قبل النداء الثاني فهو جائز، وإن كان يترتب على سفره قبل النداء تفويت الجمعة؛ فالأفضل أن يؤخره بعد الصلاة لئلا يفوته فضل الجمعة.
والمسافرُ على الصحيح تنعقدُ به الجمعةُ، ويصح أن يكون إماما وخطيبا فيها، لعدم الدليل على المنع.

2. صلاة الجمعة صلاة مستقلة فليست ظهرا ولا بدلا عن الظهر، ويترتب على ذلك أنها لا تجمع مع العصر، لأن الذي يجمع مع العصر هو صلاة الظهر.

ومن صور ذلك ما يحصل لبعض الناس حين يكون في مكة ويريد السفر بعد صلاة الجمعة، فإذا صلى الجمعة في الحرم قام وصلى العصر ركعتين، والصواب: أنه لا يصلي العصر بل يسافر، فإذا دخل وقت العصر صلاها قصرا حيث أدركته الصلاة.

3. يكره تخصيص يوم الجمعة بصيام، أو تخصيص ليلتها بقيام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم” [45] ؛ والمنهي عنه تخصيصه أما إن وقع في صوم معتاد كيوم عرفة، أو صام يوما قبله أو بعده فلا بأس.

4. ليس للجمعة سنة قبلية، بل يصلي المسلم ما قدر له قبل الصلاة، وأما بعد الصلاة فالسنة أن يصلي بعدها أربعا، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا “ [46] .

5. صلاة الجمعة لا تجوز إقامتها في البراري، بل لابد أن يكونوا مقيمين مستوطنين ببلد، ثلاثة فأكثر، وعلى هذا فلو خرج جماعة إلى البر للنزهة فإنهم لا يصلون الجمعة ولو كانوا مائة ولا تصح منهم لو صلوها، بل يصلونها ظهرا، وهكذا سكان البادية الذين لم يقيموا بالمكان.

6. إدراك الجمعة يكون بإدراك ركعة منها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة” ؛ فمن دخل مع الإمام بعد قيامه من الركعة الثانية فيجب عليه أن يصليها ظهرا أربعا.

7. إذا دخل المسلمُ المسجدَ والمؤذن يؤذن الثاني، فإنه يصلي تحية المسجد ولا يشتغل بإجابة المؤذن لأجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة، لأن استماعها واجب، وإجابة المؤذن سنة، والواجب مقدم.

فضائل يوم الجمعة

عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) . رواه مسلم (856) .

قال النووي :

قَالَ الْقَاضِي : الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ , لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ , فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّة مُبَيَّنًا , وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل , فَقِيلَ لَهُ : دَعْهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ , بَلْ كَانَ يَقُول : خَالَفُوا فِيهِ , قُلْت : وَيُمْكِن أَنْ يَكُون أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَم تَعْيِينه أَمْ لَهُمْ إِبْدَاله ؟ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله اهـ .

وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه ثم يخالفون .

قال الحافظ : كيف لا وهم القائلون (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) !! اهـ

وعن أوس بن أوس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام ) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ) . رواه مسلم (1410) .

فتضمن هذا الحديث بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة .

قال النووي :

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا . وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ .

وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ : خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) . رواه ابن ماجه (1084) . وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (2279) .

قال السندي :

( يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة ) مِنْ قِيَام السَّاعَة ، وَفِيهِ أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعَيْنِهَا ، وَأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ

ومن فضائل هذا اليوم :

1- فيه صلاة الجمعة ، وهي أفضل الصلوات :

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .

روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ) .

2- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه .

عن ابن عمر قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان" . وصححه الألباني في صحيح الجامع (1119) .

ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى ، وسورة الإنسان في الثانية .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ ( الم تَنْزِيلُ ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) . رواه البخاري ( 851 ) ومسلم ( 880 ) .

قال الحافظ ابن حجر :

قِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ 

3- أن من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49 ، 50) .

هذه بعض فضائل يوم الجمعة ، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته .

أيها المسلمون .. عظموا هذا اليوم واغتنموا بركته وخيره، واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد كان مِنْ هَدْيِهِ تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، ومن نعمة الله أنه يومُ إجازة، فلئن اشتغل المرء بالنزهة واللعب مع أصحابه وأولاده يومَ السبت، فما أجمل أن يكون يومُ الجمعة نزهةً روحية يتصل بها العبد مع ربه ويغلب فيه جانب التعبد بالمكث في المسجد، والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، وتحري ساعة الإجابة والتضرع إلى المولى بالدعاء والطلب.

يا من إليه جميعُ الخلقِ يبتهلُ     ***     وكل حيٍّ على رحماهُ يتكلُ
أنت الملاذُ إذا ما أزمةٌ شملت     ***     وأنت ملجأُ من ضاقتْ به الحيلُ
أنت المُنادى به في كلِّ حادثةٍ     ***     أنت الإلهُ وأنت الذخرُ والأملُ
أنت الغياثُ لمن سُدَّت مذاهبُهُ     ***     أنت الدليلُ لمن ضَلَّتْ به السبلُ

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-