(رويترز)
أبرز تلك التحديات بالطبع المصاعب الاقتصادية والتضخم وأزمات تكلفة المعيشة وانخفاض قيمة العملة في بعض الدول لترتفع معها تكاليف الحج لمستويات يصعب على كثيرين تحملها أو تجبرهم على خيارات ربما لم يكونوا ليطرقوا بابها إذا كانت الظروف أفضل حالا.
وكانت المملكة قد سمحت لأعداد محدودة من سكانها بأداء الحج في عامي 2020 و2021 قبل أن تستقبل نحو مليون حاج من الخارج في 2022، لكن اقتصر القرار فقط على الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاما والذين حصلوا على جرعات اللقاح كاملة ولا يعانون من أمراض مزمنة.
ويوضح الشربيني "السنة اللي فاتت كانت البرامج نفسها مختلفة عن السنة دي. السنة اللي فاتت كان عندنا فنادق خمسة نجوم وفنادق أربعة نجوم، السنة دي لأ. وهما اللي مسعرين الخمسة نجوم بكام والاقتصادي بكام والبري بكام. التسعير راجع لوزارة السياحة".
وتراوحت الأسعار الرسمية لرحلات الحج التي حددتها الوزارة ما بين 130 ألفا و310 آلاف بينما كانت تتراوح ما بين نحو 95 ألفا و194 ألفا العام الماضي. وبعض هذه الأسعار لا يشمل تذاكر الطيران.
وعن نسبة الإقبال على الحج هذا العام، قال الشربيني "أقدر أقول إنه 20 بالمئة من اللي جاء السنة اللي فاتت".
* خيارات صعبة
تقول ولاء وهي موظفة حكومية مصرية "قدمت في القرعة كتير ومفيش نصيب والأسعار عمالة تزيد... سافرت ضمن مجموعة بتأشيرات زيارة وهنعمل عمرة ونفضل هناك لحد الحج".
وأضاف منصور، وهو أب لأربع بنات، أنه أخذ يدخر الأموال لسنوات وتخلى عن الكثير من احتياجاته أهمها السيارة لتحقيق حلمه في أداء مناسك الحج مع زوجته التي ستحتاج إلى مصاريف إضافية لعدم قدرتها على أداء الفريضة بمفردها لأسباب صحية.
وقالت نجوى إن أبناءها تكفلوا بالمصاريف لأن "التكاليف الإجمالية تجاوزت كل توقعاتي ولكن اختيار اسمي في قرعة الحج لهذا العام بعد انتظار 13 سنة يدفعني للقبول بالأمر الواقع حتى لا أخسر مكاني وأنتظر لسنوات أخرى".
ودفع هذا فاضل عاشور كاتب عام نقابة الأئمة إلى المطالبة بإلغاء موسم الحج في البلاد لهذا الموسم داعيا مفتي الجمهورية لإعلان ذلك إلى حين تحسن الوضع الاقتصادي.
وقالت نجاة الهمامي المكلفة بالإعلام بوزارة الشؤون الدينية لرويترز إنه تم تحديد حصة تونس لهذا العام بما يصل إلى 10982 حاجا من إجمالي أكثر من 200 ألف مترشح.
* "أيادينا قصيرة"
أما العقبة الأخرى التي تحدث عنها خالد محمد صالح (64 عاما)، المعلم المتقاعد في بغداد، فهي ارتفاع التكلفة التي تصل إلى أربعة ملايين و600 ألف دينار عراقي جوا وثلاثة ملايين و900 ألف دينار برا.
أما من يريد تجاوز إجراءات القرعة، فأمامه فرصة (الحج التجاري) عبر مكاتب مرخصة حكوميا، لكن صالح يقول إنها "غالية جدا حيث تكلف الشخص الواحد مبلغ 11 ألف دولار".
الوضع نفسه يواجهه كاظم الكناني (60 عاما) ويعمل بالأجر اليومي في مدينة الصدر ويقول "أنا عاجز حتى عن دفع المبلغ الذي تأخذه هيئة الحج والعمرة. بناتي الأربع عرضن علي أن يبعن ذهبهن لكني رفضت لأني أريد أن أحج من تعبي".
* إجراءات حكومية
وقال المدرس مصطفي الحاسي (43 عاما) والذي حالفه الحظ وجاء اسمه في القرعة هذا العام "الحج مكلف نحمد الله أن الدولة تكفلت بجميع المصاريف هذا جيد".
وقال عادل محمد من شركة أجنحة الحرمين "لا نعمل بسبب عدم منحنا تأشيرات وكذلك تدخل الدولة في تحمل تكاليف الحج ويتم نقل الحجيج عن طريق شركات الدولة".
لكن مواطنين راغبين في أداء المناسك عبروا عن استيائهم من ارتفاع تكلفة الحج على حسابهم الشخصي ومنهم صالح الجهاني الذي يعمل في وزارة التعليم.
ويوضح الجهاني أن الأمر قد يكلف الشخص الواحد 12 ألف دولار "يعني نحتاج إلى 24 ألف دولار بما يعادل 120 ألف دينار ليبي، هذا يعادل سعر شقة بمدينة بنغازي".
وعبر نظام التسجيل المركزي التابع لوزارة الأوقاف، جرى تسجيل كل الراغبين في الحج وعددهم 43 ألفا وتصنيفهم إلى فئات، حسب الجنسية (كويتي أو غير كويتي)، وما إذا كان سبق لهم الحج أم لا. وقُبل في النهاية نحو ثمانية آلاف.
وقال أنور الطبطبائي صاحب حملة الطبطبائي للحج "الأسعار قلّت هذا العام. العام الماضي كانت كورونا، والأعداد كانت قليلة وبالتالي الكلفة كانت أكبر. الأعداد عادت لوضعها الطبيعي الآن".
وأشار الطبطبائي إلى أن متوسط الكلفة يبدأ من 1600 دينار (5207 دولارات) ويصل حتى عشرة آلاف دينار، وتختلف التكلفة بحسب مستوى الفندق والخدمات، وتشمل الطيران والسكن والتنقلات ورسوم تأدية المناسك.
ومع هذا، قال علي الرومي المتقاعد الكويتي أن الأسعار "رغم انخفاضها إلا أنها لا زالت عالية، وربما تعتبر مناسبة لبعض الشرائح".
كما عبر أنس مساعد الموظف الكويتي عن أمله في أن تتراجع الأسعار أكثر من هذا قائلا "بالتأكيد هناك ناس ليس عندهم هذه المبالغ.. أتمنى الأسعار تنزل عن هذا المستوى.. كثير من الناس ليس لديهم الإمكانيات خصوصا لو رايحين مجموعة من أسرة واحدة.. ممكن يوصل المبلغ 10 آلاف دينار، وهذا كثير".
* "عدد محدود"
وقال الأكوع (48 عاما) المقيم بمدينة ذمار على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة صنعاء "بالنسبة لي أداء فريضة الحج، كان مستحيلا، لولا أن تكفلت والدتي بالتكاليف لها ولي لمرافقتها بعد أن باعت من ميراثها، ورغم ذلك يواجه الحجاج الترحيل من عام إلى آخر بسبب فرض عدد محدود للحجاج اليمنيين من قبل السلطات السعودية".
فيما أحبط ارتفاع التكاليف خطط سعيد عاطف حسين (65 عاما) المقيم في عدن والذي ادخر على مدى سنوات مبلغا من المال لكنه لم يعد كافيا لتغطية نفقات رحلته مع انهيار قيمة العملة في ظل الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.
وقال مسؤول حكومي في قطاع الحج والعمرة بوزارة الأوقاف والإرشاد في عدن لرويترز إن الوزارة ليس لها علاقة بارتفاع التكاليف الحج موضحا أن السلطات المكلفة بالحج في السعودية هي التي تحدد الأسعار.
* محظوظون ومحبطون
وقال صالح عليوي من نابلس (64 عاما) في أثناء انتظاره لانطلاق الحافلة من مدينة الحجاج في أريحا إنه ظل يحلم بهذه الفرصة منذ عشرة أعوام.
وقرر ابنه مرافقته نظرا لحالته الصحية. وقال عليوي "من عشر سنين كانت صحتي منيحة حاليا الحمد لله على كل شي عندي سكري وضغط وأمراض في القلب ما بقدر أطلع لحالي، طلع معي ابني علشان يساعدني".
وانتقد محمد طريد (48 عاما) من أريحا ارتفاع التكلفة "يعني العمرة 500 دينار أردني والحج 3246 دينارا، الله يعين الناس".
وقالت وزارة الأوقاف إن المنح تشمل ألف حاج "وستوزع بالتساوي بين المحافظات الشمالية والجنوبية (الضفة الغربية وقطاع غزة)".
لكن في الأردن نفسه، أصاب الإحباط أسامة عبد الكريم المواطن الستيني بعدما قرر التخلي عن فرصة الحج هذا العام رغم حصوله على تصريح لأداء الفريضة، وذلك بعد أن تفاجأ بارتفاع تكلفة السفر برا إلى نحو ثلاثة آلاف دينار (4200 دولار)، أي زيادة بنحو 600 دينار مقارنة بالعام الماضي.
وأكد رئيس جمعية مكاتب الحج والعمرة الأردنية بلال روبين أن أكثر من 600 حاج تخلوا عن فرصة السفر سواء بعدم استلامهم لتصريح الحج أو عدم قيامهم بالتسجيل خلال الوقت المحدد.
ويقول "إصرار وزارة الاوقاف على تجاهل اقتراحات أصحاب مكاتب الحج والعمرة أمر غريب وكان سيساهم بعدم ارتفاع تكاليف الحج لهذا العام على سبيل المثال اقتراح زيادة المسافة بين مكان البعثة والحرم المكي من 1500 متر لتصبح 1750 مترا مع توفير مواصلات وفنادق أفضل وأنظف".
* "لا شيء يغلى على زيارة بيت الله"
وتبلغ تكلفة الحج في المغرب هذا العام، كما حددتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نحو 63 ألف درهم (نحو 6 آلاف و300 دولار) وهو "مبلغ غير شامل لمصاريف الجيب" كما جاء في بيان سابق لوزارة الأوقاف المغربية.
وتحكي "منذ سنين وأنا أجمع من مالي الخاص حتى يكون حجا مقبولا... وجمعت مال الحج من أموال تقاعدي ومدخراتي، ولا يعقل أن أسافر فقط بالمبلغ الذي حددته وزارة الأوقاف لا بد من أخذ مال للأكل والشرب والمرض إذا قدر الله وبعض الهدايا البسيطة للأحباب، فلذلك من أراد الحج عليه أن يوفر ما لا يقل عن 100 ألف درهم" هو مبلغ يوازي نحو 10 ألف دولار.
أما إحسان بن ياسين (57 عاما) فيقول "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها... اليوم نرى أن الحج أصبح مكلفا جدا، وفي بعض الأحيان تجارة وتباهي، لذلك فقد عدلت في الوقت الراهن عن الحج بالنظر لمدخولي المتواضع ولجشع وكالات الأسفار والغلاء الفاحش الذي أصبح في المغرب أو السعودية وفي كل الدول".