فماذا تعني الرشوة السياسية ؟ وماهي مظاهرها ؟وهل يمكن الحديث عن التوبة في السياسة والتي هي مرنة ومنفتحة ومتوحشة بلا ضوابط؟
الرشوة الانتخابية
لا يختلف مفهوم الرشوة العادية الواقعة على الوظيفة العامة عن مفهوم الرشوة الانتخابية، بدليل التشابه اللغوي والواقعي بين هاتين الجريمتين. فجريمة الرشوة تقتضي وجود شخصين، الشخص الأول يقبل ما يُعرض عليه من فائدة أو وُعد بها أو يطلب شيئاً من ذلك مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل، فذلك هو الموظف المتورط في جريمة الرشوة في مجال الوظيفة العامة، والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية. الشخص الثاني يتقدم بالعطية أو الوعد بها للشخص الأول ليؤدى له العمل أو الامتناع عنه، فذلك هو المواطن صاحب الحاجة أو المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو غيره في الجريمة الثانية.
ولذلك اعتبرت التشريعات الرشوة بنوعيها مشتملة على جريمتين منفصلتين إحداهما جريمة المرتشي، وتسمى الرشوة السلبية، ويقترفها الموظف العام في جريمة الرشوة الوظيفية، والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية. أما ثانيهما فهي جريمة الراشي وتسمى الرشوة الإيجابية ويقترفها صاحب المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو أحد أنصاره غالباً في الجريمة الثانية.
ونظرا لخطورة هذه الجريمة على سير ونزاهة العملية الانتخابية، نجد أن هناك شبه إجماع تشريعي على تجريم الرشوة الانتخابية رغم صعوبة إثباتها. ومن أقدم التشريعات التي جرمت الرشوة الانتخابية التشريع الذي صدر في إنجلترا عام 1845. ولعل السبق الإنجليزي بهذا الشأن مرده تفشي الرشوة الانتخابية أو الفساد الانتخابي، والذي يتمثل في ظاهرة شراء القوائم والأصوات، حيث بدأت تلك الظاهرة منذ الانتخابات التي أجريت في القرن الرابع عشر وتواصلت حتى صدور تشريع الانتخابات سالف الذكر.
على خلاف الصورة الأصلية لجريمة الرشوة في التشريعات العقابية، والتي تتطلب صفة خاصة في مرتكبها وهي صفة الموظف العام، والتي هي بمثابة الشرط المفترض في جريمة الرشوة الوظيفية، نجد أن الأمر مختلفاً. ففي جريمة الرشوة الانتخابية، حيث لا تتطلب صفة خاصة في الراشي فيستوي أن يكون الراشي أحد المرشحين في الانتخاب المعني أو أن يكون غيره من المندوبين أو الوسطاء ممن لا تتوافر بشأنه هذه الصفة. وافتتح هبيل ولايته الانتدابية برشوة انتخابية جعلته يعيش كقن لسيده التاجر ،ولذلك لم يستطع ان يتوب بعد صحوة ضميره ،ولاتيأسوا من روح الله انه لاييأس من روح الله الاالقوم الكافرين.
إذا كان الأمر كذلك كما سلف بالنسبة للراشي في جريمة الرشوة الانتخابية، إلا أنه يختلف بالنسبة للمرتشي وهو ذلك الذي أخذ أو طلب أو قبل الفائدة أو العطية أو الوعد بهما، حيث يتعين أن تتوافر بشأنه صفة الناخب، أي أنه يجب أن يكون أحد أعضاء هيئة الناخبين وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية، وذلك وقت ارتكابه للسلوك الإجرامي المُجرَّم دون توقف على استمرار تمتعه بهذه الصفة بعد تمام السلوك. ومن ثم فإن صفة الناخب تعد شرطاً مفترضاً في جريمة المرتشي في الرشوة الانتخابية. فلا قيام لهذه الجريمة ولا اكتمال لنموذجها القانوني بغير تحقق هذه الصفة.
وفي كل الأحوال يتعين ضرورة التعاصر بين القصد الجنائي والنشاط المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية. فمن المتعين لوقوع جريمة الرشوة أن يكون القصد الجنائي معاصراً للنشاط أي معاصراً للطلب أو القبول الصادر من الناخب. فإذا أخذ الناخب هدية معتقداً أنها على سبيل المجاملة ثم ظهر أن لصاحبها غرضاً آخر من تقديمها وهو حمله للتصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت، فإن جريمة الرشوة الانتخابية لا تقوم لما شابها من انتفاء القصد الجنائي لدى الناخب.
وأخيراً، نجد أن أغلب التشريعات قد عاقبت على جريمة الرشوة الانتخابية، وشددت على تحديد سقف مالي محدد للحملة الانتخابية مع ضرورة إبراز المرشح لكشف مالي حول إيرادات ومصروفات الحملة الانتخابية، حمايةً وصوناً للعملية الانتخابية من أية خروقات قد تشوبها أو تؤثر في إرادة الناخبين، ولتقويض سطوة المال على مقدرات المعارك الانتخابية. فالنائب الذي تكون الرشوة أحد عوامل فوزه في الانتخابات، يعرف حقيقة وضعه والمتمثل في عملية شراء المقعد النيابي بشراء الضمائر، فلماذا يبذل جهده للقيام بمهام العضوية وخدمة الوطن والمواطن؟ بل يتحول تفكيره وجهده إلى كيفية تعويض المال الذي خسره من أجل الوصول إلى المجلس، والاستفادة من الصلاحيات والحصانة الممنوحة له لأجل بلوغ هدفه. والخاسر الأول والأخير هنا هو الوطن والمواطن، لأن سيطرة المال على مقدرات العملية الانتخابية هي آفة بالغة الخطورة والجسامة على سلامة التمثيل النيابي للأمة وعلى مصداقية تعبير أفرادها عن إرادتهم.
التوبة السياسية
-كما هو معلوم- مصطلح ديني يتناول تصحيح المؤمن لمساره عند الخروج عن الخط الذي ترسمه الشريعة الدينية بالتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل. إلا أن الممارسة الفردية للتوبة تتم في الواقع بسطحية تامة في أغلب الأحوال، بحيث لا يصل أغلب التائبين إلى تحقيق هذه التوبة في أنفسهم؛ لأنهم يفهمونها شعورا وإحساسا، لا عملا متكاملا يجمع ما بين التنسيق النفسي الداخلي وترتيب عناصر الواقع المحيط بحيث يتعاونان على تثبيت التائب عند حال يصعب الارتكاس بعدها.
ومع هذا، فإن منطق الحركة الاجتماعية واحد في الجماعة البشرية، وهو ما يدعونا إلى القول بأن المسكنات والعلاج الجزئي لأي داء قد يزيد في استفحاله وتهديده لحياة المريض، ومن هنا لزم أن تكون معالجة الأزمة القائمة شاملة، حتى تصبح التوبة رجوعا حقيقيا عن نهج الاستبداد والجور إلى العدل والاستقامة ورعاية حقوق العباد.
وهو ما يمكن أن يتمثل في العناصر التالية:
- - تحسين معيشة المواطنين الاقتصادية، ، وإتاحة فرص عمل مناسبة لهم، مع توفير الرعاية الاجتماعية والصحية المجانية أو المدعومة دون تفرقة بين فئات المجتمع. وقد نال هذا العنصر اهتمام الأنظمة الأكبر، إلا أنه مع كونه غير كاف بمفرده، فإنه تحول إلى قرارات مفاجئة، تنم عن غياب التخطيط والدراسة الدقيقة.
- - تنشيط الحياة السياسية بإنشاء برلمانات منتخبة، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب والجمعيات، وعدم إعطاء أي فرد في الدولة سلطة مطلقة، وإصلاح القضاء وتحريره من السلطة التنفيذية، وتقوية الأجهزة والمؤسسات الرقابية. ولا يتناقض هذا مع وجود أسر حاكمة تتوارث الحكم، فبعض أعرق الديمقراطيات في العالم محكومة بأنظمة ملكية كما هو الحال في بريطانيا والسويد.
- - إظهار حسن النوايا تجاه الثورات العربية دون تفرقة بين ثورة وأخرى؛ لأن الشعوب تشعر بالريبة من أنظمتها حين تعمل ضد الشعوب الشقيقة ومصالحها، خاصة حين تكون مواقف الأنظمة متطابقة مع وجهات نظر خارجية معروفة بتناقضها من ثورة إلى أخرى.
- - اتباع مواقف سياسية مسؤولة ومتوازنة تجاه القضايا الدولية؛ لأن الداخل له حساسيته أيضًا تجاه الخارج، خاصة بالنسبة لتلك القضايا ذات العلاقة بطرف شريك في الديانة أو العرق، أو التي يبدو فيها النظام الحاكم متابعا لمواقف أطراف دولية ذات ماض غير سار من القضايا الوطنية.
أسس الرب هذا السر قديمًا والاعتراف Confession له شروطه بان الإنسان يعترف في قرارة نفسه بالخطأ ويعترف أمام الله وأمام من أخطأ في حقه وان يعترف أمام الآب الكاهن الذي اخذ سلطان الحل والربط من الرب كما ورد في إنجيل متى 16: 19 وفي نفس الوقت يقطع كل روابط الخطية ومسبباتها كي لا يرجع إليها معتمدًا علي نعمة الرب الإله!
التصحيح القرآني ... التوبة لا تجوز إلا لله
* سر الاعتراف في العهد القديم
الذنوب السياسية !!
ان كثيرا من الحركات العقائدية التي مرت بالتاريخ الاسلامي واتسمت بالتدين والتشدد لصالح النصوص خسرت كل شيء بسبب جهلها /ذنوبها السياسية ,لذا نزل بها من العقوبات ما دثر ذكرها وقصر بها عن بلوغ اهدافها . كان سيدنا عمر يقول :(ان الرجل ليبلغ من العمر ستين عاما وما تقبل له صلاة) , لأنه لم يتم احكامها واركانها, فما بالك بالسياسة ,التي هي اعظم وجوبا, لأنها تقوم على مصالح العباد وحفظ امنهم وحياتهم ؟ ان التقوى والايمان لا تكفي اذا لم تقترن بحسن الكياسة والسياسة , فأبو ذر لم يشفع له قوة ايمانه وزهده ان يقال له في السياسة وادارة الشأن العام " انك رجل ضعيف "!! الاخلاق الفردية لا تغني عن المهارات والكفاءات السياسية للجماعة , فالله يحاسب الفرد بأعماله ,لكنه يحاسب الجماعات على سياساتها وقدرتها على ادارة الشأن العام وتحقيقها لمصالح العباد , لذا كان حديث الرسول (ص) المأثور عنه (من ولي من امر المسلمين شيئا ثم لم يجهد لهم الا لم يدخل معهم الجنة). ان الخوارج كان يقال لهم القراء ,وكان مشهودا لهم بالعبادة وشدة المراس في القتال, لكن "عقلهم السياسي " كان صغيرا , لدرجة انه جرهم من مربع نصرة امير المؤمنين علي (رضي الله عنه) الى تكفيره والخروج عليه ثم استحلال قتله .
ان الذنوب السياسية ليست كذنوب المعاصي , تعرف بالنصوص الصريحة أو الاحاديث الصحيحة , بل تعرف بالمفاهيم والمقاصد والمصالح ودرء المفاسد ,لذا فان احتمال السقوط في هذا الامتحان كبير, الا لمن يملكون بصيرة ثاقبة وعقلا متفتحا. اذا كان الشرك بالله هو الذنب الاعظم , فان الجهل بالسياسة واصولها وفن التعاطي معها واستجلاب المصالح,ودرء المفاسد أم الكبائر ,يعاقب عليها الله بابعاد فرص النصر والتمكين والانشغال بالذات واختلال الاولويات وتباعد الاهداف.
ان بعض الحركات الاسلامية سجلت نجاحا كبيرا في العمل الدعوي والخيري لكنها حين تصل الى مربع السياسة/الحكم فانها تواجه عنتا وربما فشلا ,بسبب افتقادها للمهارات السياسية وتقدير المصالح والتوازن بين المراحل والقدرة على تجاوز العقبات بحكمة. ان عقلية الدولة تختلف اختلافا كليا عن عقلية الحزب , فالسياسة لها افاقها الارحب وتوازناتها الدقيقة وحساباتها المختلفة ,لكن هناك من يظل محكوما/مسجونا بعقلية الحزب ويعالج القضايا والمتغيرات بناء عليها ومنطلقا منها ,وبالتالي فان حساباته يجانبها الصواب ,ومن ثم يقع في المطبات والازمات . وتأتي الخطورة في تبرير هذه المطبات والازمات ,اما بانه (ابتلاء) يجب الصبر عليه ,واما (مؤامرة) تقعده عن العمل لمواجهتها , وكلاهما تفسير مغلوط ومشوه يقود الى التيه وفقدان الاتجاه . (4) من عند أنفسكم ! ان القاعدة المحكمة في الاسلام التي لا تقبل الشك ولا التأويل هي :( قل هو من عند أنفسكم) ,و(ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ,أي انه في كل نازلة او مصيبة (ابدأوا بأنفسكم ), ولا تعفوها من الخطأ والتقصير ..لا تهربوا منها الى الغيبيات او التبريرات ,..لا تلقوا دائما تبعة فشلكم على غيركم , لان الله اعدل من ان يحرم اهل الحق من بلوغ غاياتهم , واعدل من ان يسلط عليهم اهل الباطل اذا كانوا على الجادة ,لانه مناف لسننه واحكامه. للأسف, مع غياب المراجعات الذاتية وتحريم ثقافة النقد فان بعضا من الحركات والاحزاب الاسلامية راكمت الكثير من الذنوب السياسية لدرجة انها استفحلت وحجبت عنها الرؤية البعيدة والشمولية, حتى رسخت أشكالها في الواقع رسوخا حوّلها من رتبة " الصواب " إلى رتبة " الحق. ". ان غياب ثقافة (نحن أخطأنا) –او ما يسميها العلماء "نسيان الذنوب ", ظاهرة مدمرة ومهلكة ,تؤدي الى القداسة وتضخيم الذات والتغاضي عن الاخطاء وتبرير القصور عن بلوغ الاهداف ,بل وتستجلب العقوبات والازمات, وهو ما شدد الاسلام على محاربته حينما ذكر في اكثر من موضع بضرورة المحاسبة: (ربنا ظلمنا انفسنا ) , (الكيس من دان نفسه ) ,وفي سرده للانتقادات القوية للصحابة, على فضلهم وشجاعتهم ,(ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرة ..منكم من يريد الدنيا ..اذ تلقونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم ..ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم ) , وذلك من اجل ان يفتح عقولهم وعيونهم على تجنب الاخطاء وتفادي المنزلقات , لذا فانهم نجحوا خلال عشر سنوات في بسط الاسلام في الجزيرة العربية وهدم الامبراطوريتين الرومية والفارسية وامتدت حدودهم الى مصر وبلاد المغرب العربي , فيما هنالك حركات وجماعات تجاوزت السبعين عاما وتصر على انها لا زالت في مرحلة البناء والاعداد !! ان من اعظم الذنوب/الكبائر السياسية التي ارتكبتها الحركات والجماعات فقدان الرؤية الاستراتيجية والجهل بادارة الحكم والاستعداد له وتقدير تبعاته , وضعف الكوادر المؤهلة, والفشل في استقطاب الاخرين , والبقاء رهائن في دائرة عقلية الحزب ,وعدم استيعاب التنوع والتعدد في المجتمع ,والقدرة على قراءة المتغيرات السياسية بعين بصيرة وعقل منفتح .
- . والغريب انك تجد دائما لكل خطأ تبرير ولكل قصور تفسير !!
- . ان المعيار الوحيد لنجاح هو (النتائج ) ,أي تحقيق اهدافها وايصال الناس الى مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية ,وليس بكثرة الاعداد والاعمال ,ولا حتى بكثرة التضحيات,ورسخت نماذج باهرة في معالجة قضايا السياسة بحكمة وحرفية عالية ,والخروج عن قيود التنظيم ,وتجنبت الوقوع في الصدامات والاستنزافات الداخلية حينما غلبت ثقافة الوطن على ثقافة الحزب .
ليس مطلوبا من الإسلاميين أن يخرجوا من جلدهم الأيديولوجي حتى يصبحوا أسوياء بنظر الاخرين لكن مطلوب ان يقدموا أجوبة شافية وحلولا عملية تقنع الاخرين بصحة خياراتهم وبدائلهم.. يجب اثبات قدرتهم على التحول من مربع المعارضة الى مربع الحكم. من ادارة شئون التنظيم الى ادارة شئون الجمهور ..من الانغلاق التنظيمي الى الانفتاح الوطني والدولي. في ظل التعقيدات العصرية , فان الحاجة ملحة الى (التوبة) من الذنوب السياسية والتخلص منها واستبدالها بأعمال سياسية صالحة .... الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير ، ننسج املا جديدا بعد صدمة الإصرار على الشهوة الأبدية الممزوجة بطفولية غارقة في الاحلام، لابد ان نضع بعض الخيوط الرفيعة التي تعيد تصحيح المسار، ان اردنا ان نتصالح مع الذات الواعية في زمن قل فيه الوعي وكثر السكار ،وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وحتى لوتاب سياسيا من جرم الفتك الحجاجي لضحاياه فانه يبقى على باب التوبة السياسية ينتظر السند والمدد والاشارة الصوفية من الشيخ الممدد على كرسي الزعامة .