شبكة المدونون العرب
المقدمة
الفصل الأول
منطلقات الناجحين
- الأعمال بالنيات فانوِ الخير في كل عمل، واستحضر نفع الآخرين والكف عن الشر.
- لا تضق ذرعاً بالمحن فإنها تصقل الرجال، وتقدح العقل، وتشعل الهمم.
- العمل والجد هو الطريق الأعظم إلى الجد، وهو بلسم لأدوائك، وعلاج لأمراضك بل هو كنزك.
- قيمة كل امرئ ٍ ما يحسن، والعاطل صفر، والفاشل ممقوت، والمخفق رخيص.
- ركِّز اهتمامك على عمل واحد، وانغمس فيه واحترق به وأعشقه لتكن مبدعاً.
- ابدأ بالأهم فالمهم، وإياك والشتات وتوزيع الجهد، على عدة أعمال فإنه حيرة وعجز.
- النظام طريق النجاح، ووضع كل شيء في موضعه مطلب الناجحين، أما الفوضى فهي صفة مذمومة.
- الناجحون يحافظون على مقتنياتهم وأمتعتهم وأشيائهم، فلا يبذرون ولا يفسدون.
- ولا يفوح العطر حتى يسحق، ولا يضَّوع العود حتى يُحرق وكذلك الشدائد لك هي خير ونعمة.
- الناجح لا يغلب هواه عقله، ولا عجزهُ صبرَه، ولا تستخفّه الإغراءات ولا تشغله التَّوافه.
- إياك والضجر والملل، فإن الضجر لا يؤدي حقّاً , والملول لا يرعى حرمه وعليك الصبر والثبات.
- من ثبت نبت، ومن جدَّ وجد، ومن زرع حصد، ومن صبر ظفر، ومن عزَّ بزَّ.
- النملة تكرر الصعود ألف مرة , والنحلة تذهب كرَّة بعد كرَّة , والذئب من أجل طعامه هجر المسرَّة.
- لمَّا هوى السيف قَطَع، ولمَّا اشتعل البرق سَطَع، ولمَّا تواضع الدر رُفِع، ولمَّا جرى الماء نفع.
- الكسول مخذول, والهائم نائم، والفارغ بطال، وصاحب الأماني مفلس.
- من يكن له في بدايته احتراق لم يكن له في نهايته إشراق، ومن جدَّ في شبابه ساد في شيخوخته.
- تذكر أن في القرآن: سارعوا، وسابقوا، وجاهدوا، وصابروا، ورابطوا.
- وفي السنة: أحرص على ما ينفعك، وبادروا بالأعمال، ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
- أبو بكر الصديق ثاني اثنين، أنفق كلَّ ماله، ويدعى من أبواب الجنة الثمانية, وهو قامع الردة.
- عمر بن الخطاب, يفرُّ منه الشيطان، وافقه الوحي أكثر من مرة.
- عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة، ويوقف بئر رومة، ويختم القرآن في ركعة.
- على بن أبي طالب يبارز في بدر، ويفتح حصن خيبر، ويقتل مرحباً، ويذبح عمرو بن ود يوم الخندق.
- وخالد بن الوليد يخوض مائة غزوة، ويَقتل يوم اليرموك خمسة آلاف بيده، ويكسر تسعة أسياف.
- وجُرِحَ الزبيرُ بن العوام في كل جزء من جسمه، وحمل السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار حواريَّه في الجنة.
- وضُرِبَ طلحةُ في جسمه حتى شلَّت يدهُ، وقُتِل حنظلةُ جنباً فغسلته الملائكة، وأهتز عرش الله لموت سعد.
- وطُعِنَ عبدُ الله بن عمرو والد جابر أكثر من ثمانين طعنة فكلَّمه الله بلا ترجمان.
- وجمع أبيُّ بن كعب القرآن وجوَّده، فذكره الله في الملأ الأعلى، وأمر رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه سورة البينة.
- وتصدَّق ابن عوف بألف جمل بحمولتها على الفقراء، وتصدَّق أبو طلحة بمزرعته في سبيل الله.
- وحفظ أبو هريرة غالب السنة، ووزَّع ليله ثلاثاً ؛ للصلاة، والمذاكرة والنوم.
- ومشى أحمد بن حنبل ثلاثين ألف ميل في طلب الحديث، وحفظ ألف ألف أثر، وترك المسند أربعين ألفاً.
- وسافر جابر بن عبد الله في طلب حديث واحد إلى مصر شهراً، وسافر ابن المسيب ثلاثة أيام في مسألة.
- وروى ابن حبان الحديث عن ألفي شيخ، وصنَّف الصحيح فصار أعجوبة، وتبحر في الفنون حتى صار نجم زمانه.
- وكرر المزني رسالة الشافعي خمسمائة مرة، وكرر عالم أندلسي البخاري سبعمائة مرة .
- وأعاد أبو إسحاق الشيرازي درسه مائة مرة، وأعاد كلَّ قياس ألف مرة، وألَّف مائة مجلد .
- وصنف ابن عقيل الفنون ثمانمائة مجلد، وكان يأكل الكعك عن الخبز ليوفر قراءة خمسين آية.
- وكتب ابن تيميه في اليوم أربع كراريس، تُفَرَّغُ الواحدُة منها في أسبوع، ويؤلِّف كتاباً كاملاً في جلسة واحدة، وكُتِبَ عنه أكثر من ألف مؤلف.
- وكتب ابن جرير مائة ألف صفحة، وصنف ابن الجوزي ألف مصنف، وحفظ ابن الأنبا ري أربعمائة تفسير.
- وبقي عطاء بن أبي رباح ينام في المسجد ثلاثين سنة في طلب العلم، وما فاتت تكبيرة الإحرام الأعمش ستين سنة.
- وذكر النووي أن كرز بن وبرة كان يختم القرآن أربعاً في الليل وأربعاً في النهار، وختم ابن إدريس القرآن في بيته أربعة آلاف مرة، وكان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة، والبخاري ثلاثين مرة، وكان أحمد يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة.
- وكان أبو هريرة يسبح اثني عشر ألف تسبيحه، وكان خالد بن مروان يسبح مائة ألف تسبيحه.
- وعاصرنا من كان يقرأُ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ألف مرة كل يوم، ومن كان يختم القرآن كل يوم ختمة، ومن كان يسبِّح خمسة عشر ألف تسبيحه في اليوم.
- وألف سيبويه أعظم كتاب في النحو وهو في الثلاثين من عمره وتوفى النووي وعمره أربعون سنة وقد ترك تراثاً ضخماً.
- وطرفة بن العبد من أصحاب المعلقات، قُتِلَ وعمرُه ستٌّ وعشرون، وقاد محمد بن القاسم الجيوش وعمره سبع عشرة سنة.
- وروى الحسن الحديث عن جده صلى الله عليه وسلم وعمره خمس سنوات، وعقل محمود بن الربيع مجة النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وعمره خمس سنوات.
- وحفظ ابن عباس الحديث وعمره ثماني سنوات، وكان ابن تيمية يفتي وعمره ثماني عشرة سنة.
- وألف ابن حجر الفتح ومقدمته في ثنتين وثلاثين سنة، وكتاب الغريب لأبي عبيد في أربعين سنة، وكتاب الأغاني للأصفهاني في خمسين سنة .
- وقتل جعفر البرمكي الوزير الخضير الجواد وعمره سبع وثلاثين سنة، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد أربعون سنة، وابن المقفع سبع وثلاثون سنة.
- وحج مسروق فما نام إلا ساجداً، وصام الأسود بن يزيد حتى أخضر جسمه، وبكى يزيد بن هارون حتى ذهبت عيناه، ومشى أبو موسى الأشعري حتى تشققت قدماه.
- وقال البخاري: ما كذبت كذبة منذ احتلمت، وقال الشافعي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً.
- ما عال من اقتصد، وما فشل من اجتهد، ومن تفقَّه في شبابه تعلقت السيادة بأهدابه.
- مالُك هو عمُّكَ، وخالُكَ، وفلوسُك هي ضروسُك، ودراهمُك هي مراهمُك، فلا تسرفْ ولا تبخلْ.
- إن الماء الراكد يأسن، وإن البلبل المحبوس يموت، والليث المقيِّد يذل.
- ألذ طعام بعد جوع، وأعذب ماء بعد ظمأ، وأهنأ نوم بعد تعب، وأجمل نجاح بعد تضحية.
- إن الكتب تلقِّن الحكمة ولكنها لا تخرِّج حكماء , والسيف يقتل لكن بكف الشجاع.
- السباحة لا تُتعلم في الدفاتر ولكن في الماء، والرياضة لا تتلقى من الشاشة ولكن في الميدان.
- الدنيا تؤخذ غلاباً, وسوق المجد مناهبة، والحياة صراع، والعلياء تنال بالعزائم.
- مَنْ عنده همة متوقدة، ونفس متوثبة، ونشاط موار، وصبر دائم، فهو الفريد.
- قيل لأبي مسلم الخرساني: مالك لا تنام ؟ قال: همة عارمة، وعزيمة ماضية، ونفس لا تقبل الضيم .
- أسرع الفرس فركبه الملوك، وتبلَّد الحمار فركبه العبد، وافترس الأسد فملَكَ الغابة.
- لا يُرهَبُ السيفُ حتى يسلَّ ، ولا يُخافُ الرعدُ حتى يجلجلَ، ولا يُهرب من السيل حتى يحتدمَ.
- أجرى أديسون مكتشف الكهرباء عشرة آلاف تجربة على بطارية، كلها أخطأت فواصل حتى نجح.
- وأقام أنشتاين عمره كله في النظرية النسبية.
- جُمِعَ من براية أقلام ابن الجوزي ما أُدفِئ به ماءُ غسله عند الموت.
- وجَُمِعَ الغبارُ من عمامة صلاح الدين فجعل لبنة تحت رأسه في القبر.
- وترك حملُ الطعام للأيتام في الظلام في جسم علي بن الحسين آثاراً وندوباً .
- ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ( 39 ) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ( 40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ .
- ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ .
- ( الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ).
- أجمل السواعد سواعد العمال، وأحسن الرؤوس رؤوس المحلقين، وأهنأ النعاس نعاس المتهجِّدين، وأطهر الدماء دماء الشهداء.
- الذي يقهر نفسه أعظم ممن يفتح مدينة، والذي يقاوم هواه أجلُّ ممن يحارب جيشاً.
- صام أبو طلحة الأنصاري أربعين سنة سرداً , وحج ابن المسيب ستين حجة، وأفتى الإمام أحمد في ستين ألف مسألة بالدليل.
- خدم أبو شجاع الملوك ستين سنة، فكفر عنها بخدمة ستين سنة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكن رجلاً رجله في الثرى لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ
وهامة همته في الثريا بل اسقني بالعزِّ ماء الحنظل
- طاف ابن بطوطة الدنيا في ثلاثين سنة , ولقي في رحلته الألاقي حتى جمع الغرائب والعجائب وصار حديث الدهر.
- اعتزل ابن خلدون في قلعة فكتب تاريخه وحرره وحبَّره فصار آية للسائلين.
- كتب ابن عساكر الحافظ تاريخ دمشق في ستين سنة، فما ترك عالماً ولا أديباً ولا شاعراً ولا شاردة ولا واردة عن دمشق إلا سجَّلها.
- وكان ابن تيميه إذا صعبت عليه مسألة استغفر ألف مرة، وقال تلاميذ الخطيب البغدادي له ـ وهم في سفر ـ حدِّثنا، فقال: نبدأ بالقرآن، فختمه كلَّه ثم حدثهم.
- وقيل لأبي الطاهر السلفي: من أين لك هذا العلم؟ قال: من جلوس في بيتي مع الكتب سبعين سنة.
- عليك بالمشي والرياضة والنظافة، فإن الناجحين أقوياء أصحاء.
- بارك الله لأمتي في بكورها، فإذا أردت عملاً فعليك بالصباح فإنه أسعد الأوقات.
- لا تقف، فإن الملائكة تكتب، والعمر ينصرم، والموت قادم، وكل نَفَسٍ يخرج لن يعود.
- مَنْ زرعَ (سوفَ) أنبتتْ له ( لعل) وأطلعت ( بعسى) وأثمرت
- إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وبادر الفرصة، وأحذر البغتة، وإياك والتأجيل والتردد، وإذا عزمت فتوكل على الله.
- الإبداع إن تجيد في تخصصك ، وما يناسب مواهبك، فقد علم كل أناس مشربهم، ولكلٍّ وجهة هو موليها.
- لا يضير الناجحين كلام الساقطين، فإنه علو ورفعة، كما قال أبو تمام:
- الناجح يقوم بمشاريع يعجز عنها الخيال، وتبهر عظماء الرجال، وتثير الدهشة والغرابة والتعجب من عظمتها.
- الناجح لا يعيش على هامش الأحداث، ولا يكون صفراً بلا قيمة، ولا زيادة في حاشية.
- مَنْ كانت همته في شهواته وطلب ملذاته كثر سقطه، وبان خلله، وظهر عيبه وعواره.
- من خدم المحابر خدمته المنابر، ومن أدمن النظر في الدفاتر احترمته الأكابر.
- من خلق الناجح التفاؤل وعدم اليأس والقدرة على تلافي الأخطاء، والخروج من الأزمات، وتحويل الخسائر إلى أرباح.
- القطرة مع القطرة نهر، والدرهم مع الدرهم مال، والورقة مع الورقة كتاب، والسَّاعة مع السَّاعة عمر.
- أمس مات، واليوم في السياق، وغداً لم يولد، فاغتنم لحظتك الراهنة فإنها غنيمة باردة.
- المؤمن لا يخلو من عقل يفكر، ونظر يعبّر، ولسان يذكر، وقلب يشكر، وجد على العمل يصبر .
- في الدقيقة الواحدة تسبح مائة تسبيحة، وتقرأ صفحة من المصحف، وتطالع ثلاث صفحات من كتاب، وتكتب رسالة، وتتلو سورة الإخلاص ثلاثاً.
- كرر النيسابوري صحيح مسلم مائة مرة، وأعاد ابن سيناء كتاب الفارابي أربعين مرة، وقرأ بعضهم المغني عشر مرات.
- احترقت كتب ابن حزم كلُّها فأعادها من حفظه، وكان قتادة يحفظ حمل بعير، وقال الشعبي: ما كتبت سوداء في بيضاء إلا حفظتها.
- وقام سفيان الثوري ليلة كاملة يصلي حتى أصبح، وتذاكر ابن المبارك الحديث هو واحد العلماء وقوفاً حتى الفجر، وبقي محمد الأمين الشنقيطي يبحث مسألة يوماً وليلة.
- وكتب يحيى بن معين لفظ صلى الله عليه وسلم ألف ألف مرة، وكان ربما كتب الحديث خمسين مرة، وقال الشعبي: أقل ما أحفظ الشعر، ولئن شئتم لأنشدتكم شهراً كاملاً .
- الناجح يحترمه أطفال مدينته، والفاشل يسخر منه كل أحد حتى لو اعتذر لهم ألف مرة.
- مَنْ بكَّر في طلب العلم بكور الغراب، وصبر صبر الحمار، وعزم عزمة الليث، وأختلس الفرص اختلاس الذئب حصَّل علماً كثيراً.
- الكسلان محروم، والعاطل نادم، ومع الحركة البركة، ومن صال وجال غلب الرجال.
- الطريق شاق، ناح فيه نوح، وذبح فيه يحيى، وقتل فيه عمر، وأريق فيه دم عثمان، واغتيل علي، وجلدت فيه ظهور الأئمة.
- نسخ ابن دريد كتاب الجمهرة أربع مرات، ونقح البخاري صحيحه ست عشرة سنة يغتسل عند كل حديث ويصلي ركعتين.
- أجَّر أحمد بن حنبل نفسه في طلب العلم، وباع أبو حنيفة بعض سعف بيته في العلم، وجاع سفيان ثلاث أيام في طلب الحديث .
- كان النووي يطالع ويكتب، ويحفظ ويصلي ويسبح، فإذا نعس نام قليلاً وهو جالس، وكان للشوكاني اثنا عشر درساً في اليوم، وكان ابن سيناء يكتب في اليوم خمساً وعشرين صفحة.
- كان إدريس النبي خياطاً، وداود حداداً، وأجَّر موسى نفسه في الرعي، وكان ابن المسيب يبيع الزيت، وأبو حنيفة يبيع البز.
- البدار البدار، قبل تقضى الأعمار وكتابة الآثار، فلا بقاء مع الليل والنهار.
- أعوذ بالله من خسة الهمم، وتفاهة العزائم، وسخف المقاصد، وثخانة الطبع، وبلادة النفوس.
- بحث علي عن الشهادة في بدر، فقالوا، في أحد، فهبَّ إلى هناك، فقال: ربما كانت في الخندق، فسعى إليها، قالوا: التمسها في خيبر، فلما أتاها، قالوا: تأخر الموعد. قال: ما أحسن القتل في المسجد.
- يحفظ العلم بالعمل به وتعليمه والتأليف فيه، ومن حفظه وكرره وذاكره به ودرسه ثبت في صدره.
- لا بد للناجح من أن يكون قوي الملاحظة، دائم التركيز، حافظاً للوقت، مديماً للتدبر، طموحاً إلى المعالي.
- قال ابن عباس: ذللت طالباً فعززت مطلوباً، وقال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا، وقال مجاهد: لا يطلب العلم مستح ولا مستكبر.
- مثبطات النجاح: هوى متبع، ونفس أمارة، ودنيا مؤثرة، وهمة باردة، وطول أمل مع تسويف.
- الناجح يأنف من الرزايا، ولا يتحمل المنن، ووقت الراحة له عمل ووقت العمل راحة.
- الفراغ مفسدة، والمباحات مشغلة، وأكثر الناس مثبطون، والولد مجبنة محزنة مبخلة.
- سبعون سنة قضاها الإمام أحمد يتقوَّت من أجرة دكان، وسبعون سنة قضاها الخليل بن أحمد على الخبز والزيت، وسبعون سنة قضاها سفيان الثوري على خبز الشعير.
- الناجح يرضى عنه ربه بالإيمان ، وأهله بالألفة ، والناس بالأخلاق والمجتمع بالنفع.
- تولى أبو بكر سنتين فأقام الخلافة وهزم المرتدين، وتولى عمر بن عبد العزيز سنتين فنشر العدل وأزال المظالم وجدد الدين، وتعلم ابن أبي جعد العلم سنتين فصار مفتي المدينة.
- سجن السرخسي فألف المبسوط في ثلاثين مجلداً، وأقعد ابن الأثير فصنَّف جامع الأصول والنهاية ثلاثين مجلداً، وسجن ابن تيميه فأخرج الفتاوى ثلاثين مجلداً.
- كان ابن الجوزي يكتب خواطره، وكان كِتابُ الفتح بن خاقان في جيبه ليقرأ كل وقت، وكان الخطيب البغدادي يطالع وهو يمشي.
- قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفساً تواقة ؛ تاقت للإمارة فتوليتها، ثم تاقت إلى الخلافة فتوليتها، وهي الآن تتوق إلى الجنة .
- كان أبو منصور الثعالبي يخيط جلود الثعالب فترقَّت به همته إلى أن صار أديب الدنيا، وكان الفرَّاء يشتغل بالفراء ثم صار نابغة النحو، وابن الزيات كان يبيع الزيت ثم تولى الوزارة .
الفصل الثاني
همة تناطح الثريا
قال تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ ، وقال:﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ ، وقال: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾، وقال:﴿ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾، وقال:﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله )، وقال: ( الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ )، وقال: ( اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك).
وقال لأحد لأصحابه: ( أعني على نفسك بكثرة السجود)، وقال لآخر: ( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله )، وكان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)، وقام من الليل حتى تفطرت قدماه ، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وربما صلى أكثر الليل، وصبر على الإيذاء، والسب والشتم والطرد من الأوطان والجراح في المعركة والجوع، وجاهد أعداء الله من مشركين ويهود ونصارى ومنافقين، وكان أعظم الناس جهاداً وأحسنهم خلقاً، وأجلهم إيماناً، وأسدهم رأياً وأنبلهم كرماً، وأكرمهم نفساً، وأطيبهم عشرة، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم يداً ، وأكبرهم همة، وأمضاهم عزيمة، وأكثرهم صبراً صلى الله عليه وسلم.
وصبر معه أصحابه أجلَّ الصبر، وجاهدوا أحسن الجهاد، فوقفوا مواقف تشيب لها الرؤوس، فضحوا بأموالهم وأنفسهم، وقدَّموا الغالي والرخيص في سبيل الله، ولقوا الألاقي في مرضاته، فنُكِّل بهم من أعدائهم، فمنهم من قتل ومنهم من جرح، ومنهم من قطعت أعضاؤه ومزقت أطرافه، وأكلوا من الجوع ورق الشجر، وسحب بعضهم على الرمضاء، وحبس البعض، هذا وهم صامدون، مجاهدون، يستعذبون من أجل دينهم العذاب ويستسهلون الصعاب، ويتجرعون الغصص .
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق ماله كله في سبيل الله، ويهب عمره كله لمرضاة الله، فهو المصلي الصائم المنفق المجاهد المضياف الجواد البار الصادق الذاكر العابد القانت الأواب، حتى أنه ليُدعى من أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة لكثرة فضائله وإحسانه، وهو رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وصاحبه في الغار، ما تخلف عن غزوة ولا تأخر عن معركة، بل هو السبَّاق الأول إلى الإسلام، والهجرة والجهاد، والبر التقوى، وما استحق كلمة الصديق ولا تاج القبول ولا وسام البر إلا بعد جهاد عظيم وخلق مستقيم وفضل عميم.
وهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغ الغاية في الزهد والورع مع ما سبق له من المقامات الجليلة في الإيمان والتضحية والهجرة والجهاد، والإنفاق مع خشية لربه، ومراقبة لمولاه، وعدل في رعيته، وضبط لشؤون المسلمين وإتقان لعمله في الخلافة مع الصدِّيق في السرِّ والعلن، والإنصاف في الغضب والرضى، مع ما كان عليه من الفقه في الدين والاجتهاد في معرفة الوحي، واستنباط الحكم من النصوص .
وهذا عثمان بن عفان ذو النورين رضي الله عنه الذي سارع إلى الاستجابة لله ولرسوله فأسلم قديماً، ولزم الرسول صلى الله عليه وسلم مع العسر واليسر، فصدق مع الله في جهاده وهجرته وإنفاقه ، فجهز جيش العسرة، واشترى بئر رومة، وأوقفها على المسلمين، ومهر في القرآن وجوَّده حتى كان يتهجد به أكثر الليل ، مع الحياء من الله والسعي في مرضاته، مع صدق اللهجة وكرم النفس، وطهر الضمير وحمد السيرة.
وهذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه كان سيد الشجعان، ورائد الفرسان حضر المعارك، وجالد بسيفه، وقتل الأقران، فكان ميمون النقيبة، مبارك السيرة، طيب السريرة، مع ما كان عليه من علم غزير وفهم ثاقب، وفصاحة مشرقة وشجاعة متناهية، وزهد عظيم وإقدام وتضحية وهمة ومضاء، وعزيمة وإباء، حتى استحق هذه المنزلة بجدارة، وتأهل للمجد بحق.
وهذا الزبير بن العوام أحد العشرة، أصيب في كل شبر من جسمه في سبيل الله، فكان حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقه في الجنة.
وعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة تصدق بقافلة في سبيل الله بجمالها وحمولتها طلباً لمرضاة الله، وأنفق في كل عمل راشد مبرور.
وهذا ابن عباس حبر الأمة، وبحر الشريعة وترجمان القرآن، جدَّ في طلب العلم, وحرص عليه غاية الحرص , وبلغ النهاية في فهم الوحي، وتصدر لتعليم الناس، فكان عجباً في حفظه، وفهمه وبيانه وكرمه وسخائه، حتى صار إماماً للناس لما صبر وجاهد وعلَّم وتعلَّم.
وأبو هريرة سيد الحفاظ، جمع الحديث حفظاً وبلَّغه الأمة صدقاً ، فكان الحافظ الأمين حقاً، قسَّم ليله للعبادة وتذكُّرِ الحديث والنوم، اشتغل بتعليم الناس مع الفتيا والوعظ والجهاد والتعليم، وما ذاك إلا لسموِّ همته، ومضاء عزيمته، وقوة نفسه.
وسعيد بن المسيب سيد التابعين، ما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة، وكان يمضي ثلاثة أيام مسافراً في طلب الحديث الواحد، وغالب جلوسه في المسجد، وكان مرجع الناس في الفتيا وتعبير الرؤيا، مع قيام الليل، والقوة في ذات الله، والغيرة على محارم الله، والصدق والزهد والإنابة، والسخاء والهيبة والعلم الراسخ.
والحسن البصري المولى، جاهد في طلب العلم ومعرفة السنة، والصبر على الاشتغال بالأثر، مع ما رُزِقَه من فصاحة ورجاحة وملاحة، فصار كلامه دواء للقلوب، ووعظه حياة للنفوس، وهو في ذلك واحد الناس زهداً وتواضعاً وإنابة وخشية وورعاً واستقامة، حتى رفعه الله في المحل الأسمى، وبوّأه المكان الأعلى.
وعامر الشعبي، الإمام الجامع للعلوم، كان قديم السلم ، وافر الحلم، كثير العلم، تبحر في السنة، وبرع في الأدب، مع ذهن وقّاد، وقلب ذكي، وفهم ثاقب، حتى صار رسول خليفة عبد الملك إلى ملك الروم لعلمه وفهمه وبديهته، وفصاحته ونبله، وقوة شخصيته، وهو الذي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء وما استودعت قلبي شيئاً فخانني، أي ما نسي علماً ويقول: لو أنشدتكم شهراً كاملاً شعراً ما أعدت بيتاً من غزارة حفظه.
ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، صاحب الموطأ الذي فاق الناس عقلاً، وأنفق عمره في طلب الحديث حتى شهد له سبعون عالماً أنه أهل للفتيا، فصارت تضرب إليه أكباد الإبل، وتشد إليه الرحال، حباه الله بجلاله ووقار مع حسن سمت وجمال مظهر وسلامة مخبر.
وأحمد بن حنبل إمام السنة، وقامع البدعة، وبطل المحنة، طاف الأقطار ، وقطع القفار في جمع الآثار، مع الجوع الشديد ، والتعب المضني، والفقر المدقع، والزهد الظاهر ، ثم ابتلاه الله بالمحنة، فحبس وجلد فما أجاب، فرفعه الله لعلمه وصبره وصدقه، حتى أصبح ذكره في الخالدين، وصار إماماً للناس أجمعين .
وسفيان الثوري زاهد زمانه، وعالم دهره، زهد في الفاني وأقبل على الباقي ، وحفظ الحديث، وجوَّد الزاد، وأفتى وعلَّم وأمر ونهى ووعظ، ونصح بنية صادقة وعزيمة ماضية، وهو مع ذلك يحفظ أنفاسه ويربي جلاسه حتى أتاه اليقين.
والإمام البخاري صاحب الصحيح، فتح الله عليه في العلم، فوصل الليل بالنهار في طلب الآثار حتى صار إمام الأقطار، فضرب بحفظه المثل، مع المعرفة التامة والفهم الدقيق، يزين ذلك خلق كريم وزهد مستقيم ، ثم ترك ميراثاً مباركاً في العلم في كتابه الصحيح الذي هو أجل كتاب بعد القرآن، فجزاه الله عن الأمة أفضل الجزاء، وأنزله الفردوس الأعلى.
وانظر لسيبويه، إمام النحو الذي طاف البوادي وشافه العلماء، ثم ألَّف كتابه المسمى بالكتاب، فصار أعظم كتاب في النحو، وصار مَنْ بعده من النحاة عالة عليه، فاستحق الثناء واستوجب الشكر، ونزل منزلة سامية عند أهل الإسلام، لفرط ذكائه ولبراعته، ومئات النحاة تزينت بهم الكتب وأشرقت بهم المجالس، ولولا الإطالة لأشرت لكل واحد منهم، وإنما أكتفي بالأعيان ومن له ذكر وأثر وتفرد وتميّز.
وهذا ابن حبان صاحب الصحيح، المحدث الأعجوبة الذكي العبقري اللوذعي، طاف البلدان، وهجر الأوطان، وبرع في هذا الشأن؛ حتى روى عن ألفين من الشيوخ؛ ومن شاء فلينظر إلى كتابه الصحيح وكتبه الأخرى ، فإن فيها من التبحر والدقة والبراعة ما يفوق الوصف.
تراه من الذكاء نحيل جسم إذا كان الفتى ضخم المعالي
عليه من توقده دليل فليس يضيره الجسم النحيل
والفارابي الفيلسوف كان بزي جندي، انصب وانكب على كتب اليونان حتى رسخ فيها، وأدمن النظر في ضوابطها حتى أتقنها، وصار من أكبر الفلاسفة لصبره وهمته، وجلده، فيما توجه له من مذهب .
ومن العلماء الربانيين الإمام النووي مات في سن الأربعين، لكنه ترك علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وحسبك برياض الصالحين، وهذا الإمام واصل ليله بالنهار ، وصام وقام، وسطع ولمع، وجمع في العلم، وهجر الكرى، وجد في السرى، حتى اعتزل الزواج ليتفرغ للعلم، فأتى فيه بالعجب العجاب.
وشيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيميه سيد العلماء وكبير الفقهاء، جد في الطلب فحاز الرتب، حقق ودقق ووثق، ودرَّس وخطب، وأفلح حتى صار مجدد قرنه، ومصلح زمانه، وترك من التأليف ما يفوق الوصف براعة، وحسناً وأصالة، وعمقاً، فهو حقيقة مضرب المثل للعالم الرباني، العامل بعلمه زهداً وخشية وإنابة وجهاداً وصدقاً وتواضعاً وكرماً وشجاعة وإمامة، وما حصل على هذا الفضل بعد فتح الله وكرمه إلا بصبر وجلد، وسهر وتعب، ومشقة ونصب، لأنه كان ذا همة عارمة، لا تقبل الأدنى، وعزيمة صارمة لا ترضى بالدون؛ فبز علماء عصره، وصار المرجعية الكبرى للفتيا، فهو قصة سارت بها الركبان وأعجوبة قلَّ أن يرى مثلها الزمان.
وابن رجب الحافظ المجتهد، كتبه خير شاهد على علمه، وفهمه وتبحره، وله جهد مبارك مشكور في شرح الأحاديث وإخراج كنوز الآثار، بل لا أعلم عالماً له من البراعة في الشرح مثل ما لهذا العالم الكبير.
ومنهم السيوطي جامع الفنون، وحائز قصب السبق في التأليف والتصنيف، وقد اعتزل في الأربعين، وترك تراثاً ضخماً من المؤلفات النافعة الذائعة.
ومن أهل الهمم القوية والعزائم المرضية السلطان نور الدين محمود زنكي، الإمام العادل الخاشع العابد، الزاهد المجاهد الصوّام القوام الذاكر الشاكر الصابر الفريد، صاحب الرأي السديد ، والنهج الرشيد، عدل في الرعية ، وحكم بالسوية، وهجر الدنيا الدنية، ورزقه الله الشهادة بعد عمر حافل بالصالحات والخيرات.
ومنهم صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس وهازم الصليب، وناصر الملة، ومقيم العدل، مع تقوى وديانة وخشية وأمانة، رفعه الله بالإخلاص ونصره بالصدق، وفتح عليه في الجهاد، دوَّخ الأعداء ونشر الملة السمحاء، وجد في طلب العليا بهمة علياء.
ومنهم مجدد الإسلام في هذا الزمان الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي جدد الله به دينه، ونصر به شرعه، وأعلى به كلمته ، وهو الذي دعا إلى التوحيد، وهدم الأوثان، وأزال الشركيات، وصحح المعتقد، وجاهد في الله حق جهاده بعزم أمضى من السيف، وهمة أقوى من الدهر، وصبر عظيم وإخلاص وتضحية، حتى رفع الله محله، وأعلى قدره، ورفع ذكره، وكبت أعدائه، فاستحق كلمة الثناء، ومنزلة الإمامة، ورتبة الربانية.
وممن عاصرنا ورأينا وجالسنا وعرفنا سماحة الإمام العالم العامل الشيخ عبد العزيز بن باز جامع الميمات الثلاثة؛ ميم العلم ، وميم الحلم، وميم الكرم ، وكان إماماً في السنة على هدي السلف، محدثاً فقيهاً عالماً مربياً رفيقاً بالناس رحيماً متواضعاً صبوراً ،يقوم بأعمال يعجز عنها نفر من الرجال، فكان يعلِّم ويفتي ويراجع الكتب ويرسل الرسائل للأفاق، ويشفع ويضيف وينصح ويعظ ويحاضر ويحضر المؤتمرات، مع زهد وخلق وسماحة، وذكر وتهجد وصدقات، وإصلاح بين الناس، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وصبر على أذى وشفقة على المساكين، ورحمة بالفقراء وحب لطلبة العلم.
وكذلك محدث العصر وعلامة السنة في زمانه، الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني، صاحب المصنفات المشهورة، والرسائل النافعة، قضى عمره كله ليله ونهاره في خدمة السنة تصحيحاً وتضعيفاً وجرحاًَ وتعديلاً، وكان على هدى السلف مع اهتمام بشؤون المسلمين وقضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها.
الفصل الثالث
اعرف نفسك
ومعنى ذلك أن تتعرف على مواهبك التي منحك الله، فتوظفها في بابها، سواءً علماً أو عملاً أو مهنة، فإن لكلٍ مذهباً ومشرباً صنوان وغير صنوان، وقد علم كل أناس مشربهم، ولكل وجه هو موليها، والناس أجناس، فحق على العاقل أن يمهر فيما يجيد، وكلٌّ ميسَّرٌ لِما خُلِقَ له، ومن يلاحظ حياة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يجد أن كلَّ واحد منهم أجاد في بابه، فأبو بكر ضرب في كل غنيمة بسهم ولكنه برز في الخلافة والقيادة مع العدل والزهد والإخلاص والصدق.
وأُبيٌّ سيد القراء، ومعاذ إمام العلماء، وخالد رمز الأبطال، وابن عباس ترجمان القرآن، وحسان مقدم الشعراء، وزيد بن ثابت كبير علماء الفرائض، وأبو هريرة شيخ الرواة، وهكذا.
إن الكتب تلقِّن الحكمة، لكنها لا تخرّج الحكماء، وإن الذين امتازوا في العلوم والفنون لم يتعلموا في المدارس فحسب بل تعلموا في مدرسة الحياة ومصنع التجار .
ومثله الخطيب البارع فإنه لم يمهر ويتميز لأنه قرأ مجلدات في فن الخطابة، بل لأنه صعد المنابر وأخطأ وأصاب، وفشل ونجح، وجرب وتدرب، حتى بلغ الغاية في هذه الموهبة.
فإذا أردت البراعة في أي علم أو عمل أو موهبة فاغمس نفسك فيه وانصهر في معاناته، واحترق بحبه، والشغف به إلى درجة العشق وللناس فيما يعشقون مذاهب، وكما قال الشاعر:
فلا تظن أن النجاح سوف يقدم لك هبة على طبق من ذهب وإن أقبح نصر هو ما كان عن هبة:
لكن النجاح الغالي هو ما حصل بجهد وعرق ومشقة ودموع ودماء وسهر وتعب ونصب وتضحية وفداء، وكما قال أبو الطيب:
إن الناس لا يرحمون الفاشل، وإن الساقط مغضوب عليه وكما قيل: إذا وقع الجمل كثرت سكاكينه؛ لأن الناس لا يحترمون إلا كل ناجح متفوق، فتراهم ينظرون إليه خاشعة أبصارهم، إذا كنت عالماً أو نابهاً أو غنياً أو مرموقاً أو مصلحاً، أما البليد الغبي الفاشل الساقط فلا تلمحه العيون؛ لأنها لا تراه أصلاً:
فعليك بطريق التعب والمشقة حتى تصل﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ وإياك ثم إياك والكسل والتواني والتسويف والأماني فإنها رؤوس أموال المفاليس ﴿ رََضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ .
إن الله يحب المجاهدين ويكره العجزة الفاشلين، وإن ألذَّ خبز هو ما حصل بعد عرق الجبين، وإن أهنأ نوم ما كان بعد تعب، وإن أحسن شبع ما سبقه جوع، وإن الورد لا يفوح حتى يعرق، وإن العود لا يزكو حتى يحترق:
إن الماء الراكد يأسن ويتغير طعمه، لكن إذا جرى وسرى طاب وعذب، وإن الكلب الجاهل حرام صيده، لكن صيد الكلب المدرب حلال، لأنه أتى بعد جهد ودربه ومعرفة، يقول الشاعر:
فالبدار البدار قبل تقضى الأعمار فلا راحة مع الليل والنهار:
الفصل الرابع
صفة طالب العلم الناجح
- همة لا تعرف النكوص، ورغبة ملحَّة، وشهوة عارمة في العلم وحماس منقطع النظير وحرص على الفائدة.
- معرفة ثمرة العلم الجليلة، وعاقبته المحمودة، ونتيجته الرائدة.
- التدرج في الطلب جملة جملة، وحديثاً حديثا، وباباً باباً.
- البداية بالأهم فالمهم، وتقديم أصول المسائل قبل فروعها .
- اغتنام الحفظ وقت الصِّبا وأوائل الشباب .
- التخصص ومعرفة الفن المحبّذ والتركيز عليه لتظهر الموهبة .
- تنويع أساليب الطلب من التلقي على الأساتذة وقراءة الكتب وسماع الدروس والتأمل والمذاكرة .
- التكرار مع ضبط المعلومة، وتحقيق المسألة والرسوخ العلمي .
- الاهتمام بالإبداع والابتكار ونبذ التقليد والمحاكاة .
- التطواف في الفنون الأخرى لأخذ فكرة مع جرد المطولات والنظر فيما جَدّ مع العصر.
- الاهتمام بالتصنيف في فنه وتعليمه ومراجعته كل وقت.
- العمل بالعلم الشرعي النافع، فإن هذا بيت القصيد ورأس المال.
الفصل الخامس
علامات العالم المتفوق
- العمل بما تعلم، وظهور بركة العلم عليه، وإخلاصه لربه سرّاً وعلانية.
- نفع الناس، والأثر الطيب فيمن حوله، ونشر علمه، وعدم كتمانه.
- الصبر على الأذى، وتحمل جفاء الناس، والتواضع لهم.
- الزهد في الدنيا، بطلب ما عند الله، والإعراض عن الفاني وطلب الباقي.
- حسن الخلق، وكرم السجايا، وسلامة الطبع من كل ما يشين.
- علو الهمة في التأليف، وتربية الجيل والإصلاح.
- نبذ التقليد، والتعويل على الدليل كتاباً وسنةً.
- الرسوخ العلمي بالغوص على الحقائق، ومعرفة المقاصد والتفطن لأسرار الشريعة.
- الاجتهاد في طلب الحق، وبذل الجهد في معرفة الصحيح.
- اجتناب الشاذ من الأقوال، والغريب في المقال، والموضوع من الحديث، والكذب من المنقول.
- معرفة واقعه وعصره، وما يدور في محيطه ويعيش معه.
الفصل السادس
الداعية إلى الله وأوصافه الجميلة
- عنده عقل راجح، وعلم راسخ، وخشية متناهية، لأن السفيه أحمق، والجاهل أعمى، والفاجر مخذول.
- دائم الطلب للعلم، والحرص على الفائدة، والحفظ للوقت والاهتمام بمعالي الأمور.
- يأمر الناس ويأتمر، وينهي الناس وينتهي، أول من يفعل ما يقول، قد ظهر قوله على فعله، وصلح ظاهره وباطنه.
- رفيق بالناس، ميسِّر لا معسِّر، مبشِّر لا منفِّر، متعرِّف إلى الناس بأخلاقه لا متنكِّر.
- لديه حكمة تلازمه عند كلامه وعند فعله، يتحرى الأصوب ويفعل الأصلح ويهدي بإذن الله إلى الأقوم.
- متدرج في دعوته وإصلاحه، يورد العلم مسألة مسألة، ويعالج المشكلات قضية، قضية.
- زاهد فيما عند الناس راغب فيما عند الله، يعاف الثناء ويكره المديح، ويفر من العلو في الأرض، ولا يطلب إلا رضى الله.
- معتصم بالكتاب والسنة بعيد عن البدع، سليم الصدر سهل الجانب طلق المحيا جم الحياء.
- لا يجرح الأشخاص، ولا يتهكم بالأجناس، ولا يستهزئ بالناس، عفيف اللسان، طاهر الجنان، طيب الأردان.
الفصل السابع
سمات المفتي الجليل وأخلاقه
- محقق لما يقول، متحرٍ في جوابه، ورع في فتواه، خائف من مولاه.
- همه أن ينقذ نفسه قبل الناس، له نية في فتواه، وإخلاص لله، وصدق في ظاهره ونجواه.
- صاحب دليل، معتصم ببرهان، متدرع بحجة، يفر من التقليد وطلب غرائب المسائل وشواذ الأقوال.
- عالم بأحوال الناس وملابسات حياتهم وأمور معاشهم؛ لينزل الأقوال على الأحوال والفتيا على الواقع.
- لا يربك السائل بكثرة الأقوال، وإنما يحقق له الجواب الصحيح حسب الإمكان.
- متثبت من السؤال متمكن من الجواب، إذا لم يعلم قال: لا أدري ؛ لأنها نصف العلم.
- مطَّلع على أقوال العلماء بدليل كل عالم، مميز بين القوي والضعيف، والراجح والمرجوح.
- مهتم بعلم الأثر والرواية وتصحيحاً وتضعيفاً، دائم البحث والمذاكرة والاستفادة.
الفصل الثامن
المعلم الموفق ومزاياه الفاضلة
- قدوة في الخير لطلابه، وأسوة حسنة لتلاميذه محبب إليهم، عزيز عليه.
- محضِّر لمادته العلمية، حريص على نفع الطلاب والارتقاء بهم في سلم العلم والمعرفة.
- سليم من الجفاء والبذاء والغلظة والفظاظة، يألف طلابه ويألفونه.
- عاكف على تخصصه، متميز في فنه، ملمّ بأطراف موضوعه.
- كثير الاطلاع، موسوعي المعرفة، عارف بثقافات عصره وقضايا أمته.
- متوقد النفس بما يقول، ملهب لطلابه، متحمس في إلقائه وطرحه، بعيد عن البرود والجفاف.
- مواظب على دوامه، دقيق في مواعيده، منتظم في عمله.
- بعيد عن الشبهة وكل ما يريب، هاجر كل خلق رذيل، متصف بكل وصف جميل.
- لا ينهمك في المزاح واللغو والسفه والفحش في القول، بل هو لين القول، عذب الكلمة، طاهر اللسان.
الفصل التاسع
الإداري المتميز وعلامات الإبداع
- دقيق في أموره، ضابط لإدارته، ملم بشئون مرءوسيه.
- نظامي يضع كل شيء موضعه، يربي بعمله أكثر من قوله.
- ينهي أعماله كل يوم بيومه، وليس لديه تسويف ولا اضطراب.
- يوزع المهام على حسب التخصص والمواهب والإمكانات.
- جيد المتابعة، حازم في قراره، يشاور ويتأمل كثيراً.
- لطيف المعشر، سمح الخلق، قوي في غير ضعف، صارم في غير عنف.
- جم النشاط، حاضر البديهة، دائم الملاحظة قوي التركيز يعجبه الإتقان والجودة.
- يستفيد من خبرات الآخرين وتجاربهم بالاطلاع والمجالسة، له في وقت عمله راحة وفي وقت راحته عمل.
- يحب التميز، ويعشق الإبداع، ويرتاح للتفرد، ويسعى للتفوق.
- يجتنب تكرار الخطأ، ويستفيد من الإخفاق، ويحذر العثرة، وهو متفائل لا يعرف اليأس والإحباط.
الفصل العاشر
خلال رائدة يتصف بها الواعظ المؤثر
- الإخلاص والتجرد، والحذر من الرياء والعجب والكبر.
- تقويم اللسان بالعربية، وكثرة الدربة على إلقاء الخطب والمواعظ.
- كثرة المحفوظ مما يعين على الوعظ من الكتاب والسنة والأدب والقصص والأمثال.
- اجتناب الإطالة والإملال توخياً لإقبال الناس.
- التوسط بين الرجاء والخوف لئلا يوقع الناس في الأمن من مكر الله أو اليأس من روح الله.
- اجتناب الشاذ من الأقوال الغرائب التي يؤديها نقل ولا يقبلها عقل.
- مراعاة أحوال الناس وعقولهم، وتخوُّلهم بالموعظة كراهية السآمة عليهم.
- عدم تجريح المخاطبين أو التعريض بهم أو الغلظة عليهم.
- الرفق بهم واللين في خطابهم واجتناب التشديد عليهم.
- الاهتمام بالإلقاء وحسن الأداء، وسلامة النطق وبراعة الاستهلال وحسن الاستدلال وجمال الختام.
- ترك مدح النفس أو ذمها، وإيراد سير الصالحين مع مراعاة موافقتها للسنة.
الفصل الحادي عشر
المؤلف البارع ما ينبغي له وما يلزمه
- عدم التأليف حتى يتمكن من فنه ويحرره ويغوص في أسراره.
- جمع المتفرق أو اختصار المطول أو ترتيب المتفرع أو شرح الغامض وتحقيق المبهم، هذه مقاصد التأليف.
- التوسط في التأليف بين الإيجاز والمخل والتطويل والممل.
- حسن العبارة، وسهولة اللفظ، والبعد عن التقعر والغريب، وكذلك هجر اللفظ المبتذل والعامي.
- مراجعة ما كتب، وعرضه على الأعلم، والمشاورة فيه، وترديد النظر والإعادة والإبداء فيه.
- اختيار المسائل التي لم تبحث والناس بحاجة إليها.
- لا يكتب إلا في فنه، ولا يتعرض لما لم يحسن فإنها وصمة .
- تجريد تأليفه من الكذب والغريب والشاذ والسب والتجريح.
- عدم الانبهار بما يكتب أو الإعجاب بما يؤلف فإنه فتنة.
- نسبة الأقوال لأهلها، والحذر من السرقة والاختلاس ومسخ المؤلفات الأخرى:﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
الفصل الثاني عشر
الأبُ الأسوةُ وحليُته وآدابُه
- التوجه إلى الله في كل وقت في صلاح الذرية وكذلك بإصلاح نفسه ودعاء ربه.
- أن يكون قدوة لأبنائه بالقول والفعل ليصدق فعله قوله.
- ملاعبة الصغير وتأديبه، وملاطفة الكبير وحسن صحبته.
- حسن الرعاية بتعظيم حق الله عز وجل، وتقديس الحرمات وصيانة حدود الله في نفوسهم.
- الحذر من هجر بيته وطول غيبته لغير ضرورة، وتعاهد أهله بالجلوس والحديث والدرس والموعظة.
- حفظ أهله من وسائل الفتنة وأدوات الخراب واللهو وتطهير بيته من كل ما يشين.
- الرقابة على عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم في البيت والمدرسة ومع الناس باختيار الجلساء وحسن المتابعة.
- مراعاة سنهم في التوجيه بتبسيط الوعظ لهم والقصص وضرب الأمثال.
- الحذر من حياة الترف فإنها فساد، والإسراف فإنه فتنة، والغفلة فإنها موبقة.
- تحفيظهم كتاب الله في الصغر، ومنعهم من التشبه بالكفرة، ومحاكاة الفجرة وتقليد النساء...
الفصل الثالث عشر
منظومة للناجحين
الحـمد
لله الـذي ربـاني |
|
وأزال
عن قلبي العمى وهداني |
وتعوّذ
المختار من كسل ومن |
|
عجز
رواه عندنا الشيخانِ |