وهذا مؤشر خطير على وجود ثمة خلل إجتماعي و قانوني و تربوي واقتصادي يسود مجتمعنا ويؤدي إلى الوقوع في مثل هذه الجرائم, ويحتاج ذلك إلى تظافر كل الجهات المعنية وإعادة النظر في أجنداتها لمعالجة الخلل أولا, ثم وضع الضوابط اللازمة لمنع وقوع الخطأ, وارتكاب الجرائم ثانيا,إضافة إلى وضع منهجية لحماية النشأ والجيل ووقايته من المشاكل التي قد تؤدي به للوصول إلى مرحلة الجريمة.
ومن المؤسف ايضا ان هذه الجرائم يذهب ضحيتها عشرات النساء دون اقتراف اي ذنب, وذلك بسبب تهور الاخ أو الأب دون التأكد من صحة الخبر. فقد يعتمد على الظن أو الاشاعة أو تسريب خبر من احد المقربين, فيسارع لذبح ابنته او اخته حفاظا على شرفه, وعندما تتأكد العدالة من أن المذبوحة راحت ضحية خبر كاذب, يندم الأهل على فعلتهم بعد فوات الأوان. وعندها تصبح المرأة لا اختلاف بينها وبين الشاه سوا أن الشاة تذبح حسب الشريعة ويسمى عليها ليحل اكلها, بينما المرأة تذبح خارج الشريعة ودون ان يسمى عليها.
وقد أثبتت التقارير الواردة من المحاكم, ونتائج بعض الدراسات أن 80%من النساء اللوتي قتلنا بحجة جرائم الشرف كنَ عذروات وهذه هي الفضيحة الفعلية, لأنه لا يوجد عرف أو قانون على الكرة الأرضية ينص أو يوافق على ذبح انسان دون مبررولمجرد الذبح كذبح الشاه.
والأدهى والأمر من ذلك, أن بعض الدراسات والتقارير أثبتت ايضا بان كثيرا من النساء اللواتي وقعت عليهن جريمة الشرف كان معتدى عليهن من قبل المحارم اما من الأخ أو الأب أو الخال أوالعم, وتذبح المرأة لمواراة فضيحة الرجل, وفي اغلب الاحيان يقوم نفس الرجل الذي اعتدى على المرأة بذبحها بحجة الحفاظ على الشرف وغسل العار. إذن فأين هوالشرف اذا كان الحفاظ عليه بهذه الطريقة, وأين هو العدل, عندما تذبح المرأة تحت غطاء جرائم الشرف , وصاحب الجريمة الفعلي يعاقب بالسجن ستة اشهر او على الاكثر سنة اوسنتين؟
واذا كانت المرأة فعلا قد ارتكبت ذنبا تستحق العقاب عليه, فهي ليست لوحدها , وانما يشاركها الرجل في ذلك , فلماذا لا نكون منصفين في العقاب وتسود العدالة والانصاف, ويعاقب الرجل كما تعاقب المرأة .
" فدرهم وقاية خير من قنطار علاج"
ولكن هذا يحتاج إلى تكاتف الجهود بين كل الاطراف و المؤسسات, ومع كل الاطياف, لأنه قد يكون هناك اسباب كثيرة تؤدي إلى وقوع المشاكل والجرائم , فمنها أسباب اجتماعية ومنها إقتصادية , وأخرى تربوية, وقانونية, ويجب أن تبدأ من مرحلة الطفولة وابتداء بالاسرة والتي تمثل المؤسسة المجتمعية الاولى واللبنة الاساسية في المجتمع, وهي التي تحتضن الطفل وتغرس في نفسه القيم والاتجاهات والاخلاق الحميدة, لتصبح لديه مباديء راسخة لا تغيرها الظروف أو المستجدات أوالمتغيرات, وتكون هي الحصن الحصين الذي يردعه عن فعل اي سوء, واستمراية لذلك يجب ان تشارك المؤسسات التربيوية في تنشئة الابناء وتربيتهم وتوعيتهم وتثقيفهم وتهذيب نفسوهم , وتسليحهم بالعلم والمعرفة والاخلاق الحميدة والسلوك الايجابي , ليتسنى لهم مواجهة التحديات وحماية انفسهم من المغريات التي تقودهم لارتكاب الخطأ, وتستكمل الدور فيما بعد مؤسسات المجتمع بكافة اطيفها لتلبية حاجات الافراد ومساعدتهم في تأمين متطلباتهم , ودعم مسيرتهم العملية, وزيادة الوعي والثقافة, وتقدير الطموحات وتشجيعها, والمساهمة في القضاءعلى اوقات الفراغ فيما يفيد الشباب ويلبي طموحاتهم, بالاضافة الى توفير فرص عمل للحد من مشكلتي الفقر والبطالة لانهما يلعبان الدور الاكبر في كثير من المشاكل التي قد تؤدي الى جرائم الشرف.
والمشكلة الأصعب من ذلك هي عزوف الشباب عن الزواج بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور, والذي لا يتيح الفرصة للشباب في تكوين الأسرة, لانهم لا يتملكون القدرة على تلبية متطلبات العروس وأهلها, ولا يستطيع الشاب تغطية تكاليف الفرح ومهر العروس, وهذا يقلل من فرص الزواج ويؤخر سن الزواج لدى الشباب ويؤدي الى ارتفاع نسبة العنوسة, وقد يشكل ذلك خطرا كبيرا على المجتمع , ويكون مدعاة للفساد والمشاكل الاجتماعية. اضافة الى ضرورة إعادة النظر في الانظمة والقوانين الجحفة في حق المرأة وتعديلها وخاصة فيما يتعلق بقوانين العقوبات .