كاتت مي فخورة بلغتها العربية؛ إذ استبدلت اسم مي الاسم العربي الأصيل باسمها الأصلي (ماري) تذكر مي نفسها أن أستاذ الجيل (أحمد لطفي السيد) أهداها نسخة من القرآن الكريم وتعترف مي – وهي المسيحية - أن قراءتها للقرآن أسهمت في تحسين أسلوبها وإكسابه تلك الحلاوة والعذوبة التي تغلفه.
دفعت مي ضريبة تميزها في مجتمع كانت المراة لا تكاد تحصل على قشور من العلم، تحدثت ست لغات وعاشت كأنْ لم يفهمها أحد، واجتمع في صالونها الأدبي عشرات الأدباء والمثقفين من كتاب عصرها لكنها ماتت وحيدة غريبة، ينبئك ذلك عن معاناة مي كامرأة في مجتمع لا يرى المرأة إلا (حرمة) يحرم جسدها ويحرم صوتها بل يحرم اسمها كل ذلك تحت لبوس الدين؛ فقد وقعت مي تحت أسماء مستعارة منها (خالد رأفت) و (إزيس كوبيا).
لقد لقبوها بـ ( عروس الأدب النسائي ) الأمر الذي يلخص معاناة مي الحقيقية ؛ فنقاد عصرها يرون فيها الأنثى قبل الكاتبة، والجميلة قبل المبدعة، وعلى الرغم من سماء الحرية التي ظللت مي؛ فقد بقيت امرأة شرقية محافظة لم تخرج على تقاليد الشرق ، لكن الفجوة الكبيرة بين القلب والعقل، والحصار المخيف للمجتمع والتقاليد، والتمرد على كل أنماط الفكر التقليدي، كل ذلك عبرت عنه مي بمرارة لا تخفى في كثير مما كتبت وقالت في محاضراتها.
تجرّعت مي مرارة الفقد كؤوساً مترعة؛ إذ مات أبوها عام 1929 ، ومات جبران توأم نفسها عام 1931، وماتت أمها عام 1932؛ الأمر الذي أورثها حزنا عميقا وغربة لا يرتجى منها إياب ، وبذا فقد أفل نجم تلألأ في سماء الفكر والأدب، وانطوت صفحة لأديبة تعد مثالا للنبوغ والإبداع في زمن عزّ فيه الكتاب، أديبة تجرعت مرارة الفقد، وجفاء الأصدقاء، وظلم ذوي القربى الذين يصرون إلى اليوم على حجب بعض مؤلفاتها عن الدارسين!