الباحث الإسلامي : مهدي سعيد كريزم
ذكرنا في الحلقة الرابعة ، او المحتوى الرابع ، ان الله تعالى نهى ادم عن الاكل من شجرة واحدة ، وأباح له كل الاشجار، وان ابليس وسوس له وزين ، الى ان خالف نهي الله واكل من الشجرة ، وقلنا ليس المقصود هو جنس الشجرة او نوعها ، ولا انها شجرة ذات صفات خاصة ؛ بحيث ان فيها قوة لنزع الثياب ، ولا ان في ثمارها طاقة مؤثرة او اشعاعات بحيث تؤثر على جسد من اكل منها فيقوم الجسد بطرد الملابس عنه او خلعها ، اوتمزيقها من خلال مايفرزه من مواد او طاقة او اشعاع بسبب المواد الخارقة التي في ثمار تلك الشجرة !! ابدا فكل ذلك لم يحدث ولم تذكره الايات ! ولا يفهم منها . وانما تلك الشجرة هي حدود الله واوامره ونواهيه ، فمن خالفها وتعداها فكأنه اكل من الشجرة . ولو كان الله تعالى نهى ادم عن شئ اخر غير الشجرة ؛ لكان نفس الامر والنهي والمعصية ، ولكن الله سبحانه اراد الشجرة بالذات لحكمة عظيمة لا نعلمها فقد تكون الشجرة ترمز الى الدنيا وزينتها والشهوات والمعاصي ، ، وقد ترمز أيضا الى الخير، بحيث تكون حدا وخطا احمر تحذرك وتنبهك الى عدم الاقتراب ؛ وتشير الى الالتزام باوامر الله وطاعته ، والاستمرار في لباس التقوى وعدم نزعه .
وبعد الاكل من الشجرة بدت لهما سوءاتهما ، وقلنا ليس السوءات هي العورات المعروفة (الدبر والقبل) وانما هي الخطايا والاثام والشرور الكامنة في النفس البشرية ، وان مخالفة امر الله بفعل الخطايا هو نزع للباس التقوى والايمان ، فبعد ان يفعل الانسان المعصية تسهل عليه المعاصي الاخرى فيكون كالعاري .
والاستدراك هو
الفهم للنص القراني قد يحتمل اكثر من معنى ، والذي يوضح ذلك هو القران نفسه ، حيث نجد في بعض الايات معنى معينا ولكن تم تفصيله وبيانه في ايات اخرى فالقران يبين بعضه بعضا فما أجمل في موضع فقد فصل في موضع اخر . كما ان القران نص عربي ولابد احيانا من فهمه في اطار لسان العرب ودلالاته . ولذلك فقد نستفيد من الايات القرانية عدة معاني وليس معنى واحدا
1/ المعنى الاول لقصة ادم وابليس والشجرة والسوءات واللباس هو ما ذكرناه سابقا في محتوى الموضوع ، ان الشجرة هي ابتلاء وهي حدود الله واوامره وهي الدنيا والشهوات ،
وان السوءات هي الخطايا والشرور والشهوات والضعف الذي في النفس من الجزع والخوف والطمع والحقد والحسد والغش ….
وان اللباس هو التقوى والهدى
3 / المعنى الثاني : وهو المشهور في التفاسير ان ادم اكل من الشجرة وعصى امر الله ، وذكروا تسميات كثيرة للشجرة ولاتصح ، وبعد الاكل نزعت ملابسهما وتعروا وانكشفت عوراتهما واخذا يغطيان عوراتهما واجسامهما بورق الشجرة ، حياء ..
أقول : نأخذ بهذا المعنى ايضا ، ولا يمنع ان يكون صحيحا لان ظاهر الايات يفيد ذلك ايضا ، فمن يرى انه لا يوجد في القران مجاز ولا كناية ، ويمنع التأويل ؛ فانه يقرر هذا المعنى ولا يحيد عنه . وانا اوضح هذا المعنى على هذا الفهم الثاني فأقول : عصى ادم ربه فاكل من الشجرة فعاقبه الله بان كشف عنهما لباسها وظهرت لهما عوراتهما المغلظة ( الذكر والفرج ووو ) فاستحى من الله تعالى ، واستحى ان يراه احد هو وزوجه بتلك الحالة فأسرع يأخذ من ورق الشجرة ويغطي العورات لانه يعلم ان ذلك عيب ولا يجوز كشفه ، فيكون المعنى ، ان من عصى الله وخالف أمره فكأنه تعرى ، واصبح يشبه الانسان العاري ، وايضا من فعل المعصية فكأنه كشف ستر الله عنه فصار كالعاري . وقد نستفيد من ذلك ايضا : ان يحذر الانسان الخطايا والاصرار عليها لكي لا يفضحه الله امام الناس .
فنزع الملابس مثل الفضيحة
ثم ذكرت الآيات ان الشيطان للإنسان عدو مبين يتربص به دائما ، ويحرص على اغوائه فإبليس وسوس لادم وزين له حتى نزع عنه لباسه الحسي والمعنوي لباس القماش ولباس التقوى والحياء ، وهذا فيه اشارة للحذر الشديد من الشيطان واغراءاته وتزيينه للمعصية وتسهيله لها باسم الحرية والمدنية والتطور ، وهذا الذي حصل ؛ فقد وسوس للنساء وزين لهن حتى خلعن اللباس ، وصارت الواحدة شبه عارية تلبس فوق الركبة او تلبس الشورت وصدرها عار وظهرها عار ، وهذا ما نراه الان في اعاجيب لباس النساء وحتى الرجال ، فهولاء قد نزع ابليس عنهما اللباس الحقيقي (الفستان وغيره ) ونزع عنها ايضا لباس التقوى والايمان والحياء .. فظهرت العورات والسوءات ؛ وهي الخطايا والمعاصي والفسوق والعري والظلم والكذب واكل الحرام ووووو
اذا فهذا معنى صحيح للايات .
ولا يمنع ان يكون المعنيان كلاهما صحيحا ، فالشجرة حقيقية واكلا منها ، وترمز لحدود الله ، وترمز للدنيا والشهوات ، وقد بدت لهما سوءاتهما البشرية التي في النفس ، وايضا بدت لهما عوراتهما الحقيقية نتيجة لمخالفة امر الله
وان اللباس الذي نزع عنهما هو لباس التقوى والايمان والهدى ، وكذلك نزع عنهما اللباس المادي من ازار ورداء فنزع الاول يؤدي الى نزع الثاني
والله اعلم