تعود ذكرى يوم الأرض ممزوجة بدماء الشهداء لتجدد العهد وتعزز الانتماء، معنونه بالبطولات والتضحيات الفلسطينية، فكل عام يحيي شعبنا أينما تواجد ذكرى الثلاثين من آذار؛ تجسيدا للهوية الوطنية، ومعبراً عن ارتباطه وتماسكه بالأرض، وتضحياته من أجلها بالدماء والأرواح، فمنذ تحدي أهلنا في مناطق الجليل والنقب، وأراضي 1948، للاحتلال الإسرائيلي وممارساته الهمجية، وعنجهيته اللا أخلاقية، أبان قيامه بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي السكنية والمشاع الفلسطينيّ؛ وما رافق ذلك من إعلانه حظر التجول على قرى سخنين، عرابة، دير حنا، طرعان، طمرة ، وكابول، وكان الرد الشعبي والفلسطيني بالإعلان عن الإضرابات، والقيام بالمظاهرات والمواجهات الشعبية والمدنية الرافضة لمصادرة الأراضي الفلسطينية من جديد عام 1976، مما أدى لاستشهاد ستة وإصابة واعتقال المئات من الفلسطينيين المدنيين...
منذ ذلك الحدث الجلل الذي سالت به الدماء، تتصاعد كل عام الفعاليات والاحتجاجات الوطنية ضد السياسات الصهيونية، باعتبار يوم الأرض حدثا محوريا في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، ومنبراً شعبياً يجسد طبيعة وحالة الصراع والوجود على الأرض، حيث يشارك في إحيائه كل مكونات المجتمع الفلسطيني أينما تواجد، بالأنشطة والفعاليات الوطنية والنضالية، فالأرض تشكل مصدرًا هامًا لتعزيز الانتماء والهوية الفلسطينية، وعلى مدار التاريخ في ذكرى يوم الأرض يعاد المشهد ويسقط الشهداء والتي تجاوزت المئات، في ظل تعاظم آليات البطش والقمع العسكرية للاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني الأعزل، وتعمد الطريق نحو الحرية بالدماء والاعتقالات ليسجل شعبنا جولة جديدة من نضالاته المستمرة، برغم ما يواجه من تحديات وظروف صعبة على جميع الأصعدة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في ظل ما يمارسه الاحتلال من حصار وسياسات مبرمجة ومنظمة لتشتيت وتهجير وتشريد شعبنا، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين أفراده –فرق تسد-، فالاحتلال لا يترك فرصة؛ إلا وينقض على شعبنا لتدمير بنيته وجبهته الداخلية، ويفكك تماسكه بهدف زعزعة استقراره، ووضعه في حالة لا متناهية من المشاكل والمعيقات، ولكن رغم ذلك لا يفوت شعبنا المحطات التاريخية، ويقف صلبا لإحيائها متحدي كل الظروف بإرادة وصلابة من خلال قيامه بالعديد من الفعاليات الشعبية كالاحتجاج بالمظاهرات، والمسيرات الحاشدة باتجاه مناطق التماس والحدود، والإعلان عن الإضرابات الشاملة، وعقد الندوات واللقاءات والمهرجانات الوطنية المتنوعة، وإطلاق جداريات، وبناء المجسمات، وإقامة المعارض التي تحيي التراث الفلسطيني والتي تتضمن منتجات صُنعت بأيدي فلسطينية لتعزز الثقافة والهوية الوطنية كالأعمال والأشغال اليدوية التي تناقلتها الأجيال لتعبر عن الأصالة الفلسطينية والعشق للأرض، كما ويتم في هذه الذكرى زراعة الأشجار التي تشتهر بها فلسطين، وخاصة أشجار الزيتون في الأراضي التي يستهدفها الاحتلال، وتنظيم واطلاق الحملات الإلكترونية على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتصميم الصور والفيديوهات، وكتابة المقالات، والبوستات والهاشتاجات....، التي تعبر عن حب وعشق الأرض، والاستعداد للتضحية للحفاظ عليها، فالأرض كالعرض لا يلوذ عنها غير الدم ....
ما زال يوم الأرض الفلسطيني مصدرا للتحدي وملهماً للإبداع في التعبير الشعبي والمدني ضد الاحتلال وممارساته، ويوماً تتحد فيه كل القوى والفعاليات الفلسطينية لتعلي الصوت بقوة الإنسان الباحث عن الحياة، والمتجذر بالأرض التي تجسّد لكل فلسطيني تلك إلام التي تحنوا وتعطف وتؤمن الحياة، والرزق والآمل في المستقبل لكل أبنائها، بما تحمل من معاني صادقة وقيم ومبادئ تنمي الأخلاق والانتماء للوطن الحر الديمقراطي، والذي يحلم به كل فلسطيني يعشق الحياة، ويتمنى أن يعيش أمانا مستقرا في وطنه متحررا من كل القيود، وسلاسل العبودية التي صنعها الاحتلال وذيوله في فلسطين.
سيظل 30 آذار يوما مميزا للنضال، ومنبرا حرا تعلو فيه الأصوات والدعوات نحو الوحدة الوطنية والتماسك والثبات على الأرض، والتضحية من أجلها بالغالي والنفيس، وستظل الأرض عنوان للكرامة والرجولة والشهامة الفلسطينية ودعوة للوحدة الوطنية الصادقة.
عاشت نضالات شعبنا وحتما النصر قادم لا محال بإذن الله، وسيرفرف علمنا على مآذن وكنائس القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة ...
المجد للشهداء والحرية للأسرى والمعتقلين والشفاء للجرحى
• عضو المجلس الوطني الفلسطيني