دهاقنة الساسة في خدمة صاحبة الجلالة.. عائد زقوت

 

 


بعد سيل الاستفزازات والخروقات التي قامت بها واشنطن لروسيا من خلال تمددها شرقًا، وضم العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق للناتو، ومحاولتها نقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر الأراضي التركية والسورية، وبعد انتفاعها من مئات المليارات الروسية عبر الشبكة الاستثمارية الغربية الروسية، إلا أنّ الإستراتيجية الأميركية القائمة على الغموض والأنانية والمكر، دفعتها للاستعمال الوظيفي لأوكرانيا، واستخدامها كساحة حرب بالوكالة بينها وبين روسيا، في محاولة منها لإغراق روسيا في حرب مفتوحة وحصار قوتها العسكرية والسياسية العائدة بقوة، فعمدت واشنطن لشيطنة روسيا، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية غير مسبوقة عالميًا، ودفعت أوروبا للمشاركة في هذه العقوبات على الرغم من الأضرار الكبيرة التي ستعود على الشعوب الأوروبية، والتي عبّرت عنها المظاهرات التي خرجت في مدن أوروبية عديدة منددة بارتفاع الأسعار على أهم سلعتين أساسيتين وهما الطاقة والغذاء، ورغم ذلك فإنّ الدهاقنة من الساسة الأوربيين الذين يقفون جنبًا إلى جنب مع الدهاقنة الأميركيين، والذين لا يأبهون بأوروبا حتى لو غرقت في الظلام أو احترقت في مقابل الحفاظ على هيمنتها على أوروبا أولًا، ثم على نظامها الأحادي الذي تدير به العالم، وعلى الرغم من أنّ التاريخ لا يقف عند أحد، وأنّ إرهاصات النظام العالمي الجديد آخذة بالتشكل، منذ أنْ فرضت العلاقات الاقتصادية نفسها على استراتيجيات الدول، ونشأت علاقة من التشبيك بين اقتصاديات العالم، وتبع ذلك الإعلان عن التفاهمات الصينية الروسية إبان ألعاب بكين الأولمبية 2022، والتي يُمكن وصفها بالتحالف التكتيكي كونها لم تُعالج مواطن الخلاف الروسية الصينية في الشرق الأقصى، إلا أنّ هذه التفاهمات قد غَلّبت المصالح المشتركة بينهما، للتصدي لسياسات واشنطن الرامية لتكبيل جهودهما في النمو والتطور، وإخضاعهما للهيمنة الأميركية، وأيضًا فإن مجرد بدء العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية يمثل إجهاضًا للنظام الأحادي القطبية، وبعد دخول العملية العسكرية أسبوعها الرابع وتداعياتها العالمية والتي تؤشر إلى عدم جدوى العقوبات الاقتصادية حيث تبنت الصين وروسيا سياسة تحجيم الدولار كخطوة متقدمة لترسيخ أسس النظام العالمي الجديد وذلك من خلال اعتمادهما على العملات المحلية لتعاملاتهما التجارية بديلاً عن الدولار، وتوسعت هذه النقلة النوعيّة لتشمل الهند، وقد تنظم السعودية إليها قريبًا، إضافة إلى الاتحاد الأوراسي الذي يعتمد أيضًا على التعامل بالعملات المحلية من قَبل، ويضاف إلى ذلك حالة التململ على مواقف بعضًا من الدول الأوروبية الأكثر تضررًا من العقوبات التي فُرضت على روسيا مثل ألمانيا وفرنسا وايطاليا، إلا أنّ هذه التطورات جعلت من الدهاقنة الأميركيين والأوروبيين وغيرهم دائبين على توتير العلاقات السياسية العالمية من خلال إطالة أمد المعارك في أوكرانيا من جهة، ومن جهة أخرى استهداف الصين من خلال تهديها بعقوبات إذا ما أمدت روسيا بالسلاح حسبما تدعي آلة الإعلام الغربية الزائفة، وكذلك إذا ما ساندتها اقتصاديًا، و في هذا الصدد عملت على إطلاق أيدي القوى الوسيطة كتركيا واسرائيل وايران وأثيوبيا كل حسب دوره ليتم محاصرة هذا التحول العالمي والذي لا يتكرر سوى مرة في كل قرن تقريبًا، والذي يشهد مخاضًا متعسرًا وصعبًا، إنّ ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يستدعي مساندة واسعة لما فيه من مصلحة عالمية، وخاصة الدول والتكتلات التي عانت من الغطرسة الأميركية، وعلى رأسها المنطقة العربية فهل يقرأ العرب الأحداث الجارية جيدًا، ويتعلموا من أخطائهم التي جعلت منهم دويلات صغيرة مقسمة ومنقسمة، تتودد غيرها لحمايتها، وألّا يضعوا ثقتهم وبيضتهم في سلة واحدة، ويتخذوا خطوات متقدمة تحفظ كيانهم وتحررهم من التبعية الأميركية.

إنّ ما تسعى إليه واشنطن من إطالة أمد الحرب لا يتوقف عند الخسائر الاقتصادية والعسكرية لروسيا، إنما يتخطى ذلك لتفرض على الدول تغيير مواقفها تجاه روسيا لمحاصرتها سياسيًا و ضمان عدم انتصارها في المعركة لوأد النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور، وأيضًا التأثير على الدول التي تتمتع بمخزون من الطاقة سواءً كان النفط أو الغاز، وخاصة الدول الخليجية، وهنا لا أمّل من تكرار  ما يفرضه الحال على الدول العربية من ضرورة الحفاظ على الموقف الحيادي الإيجابي الراهن تجاه الأزمة الأوكرانية الروسية، وألّا نرى دهاقنة منهم يلتفون على الموقف الحيادي من خلف السّتار، فيفسدون في الأرض لإرضاء الدِهقان الأكبر القاطن في البيت الأبيض، من خلال بيع النفط والغاز لدول وسيطة، ثم تنقل إلى أوروبا بديلاً عن النفط والغاز الروسي، أو زيادة الإنتاج بما يخالف أنظمة منظمة أوبيك بلس، وأيضًا يتوجب على الدول العربية العمل على تطوير الموقف الحيادي، وذلك بتشكيل تكتل عربي يضم مصر والسعودية والإمارات والجزائر لما يتمتعون به من قوة سياسية واقتصادية إستراتيجية قادرة على التمازج فيما بينها مشكلة قوة معتبرة يكون لها وزنًا فاعلًا وثقلاً وتأثيرًا على السياسة الدولية، وحصنًا للمصالح العربية، وسدًا مانعًا في وجه القوى الوسيطة، فاتحًة الطريق أمام استرداد ما أُخذ منها بالقوة غير آبهة بالهيبة والهيمنة الأميركية الآخذة بالتراجع والانحسار، وفي تقديري ما هي إلا أشهر قليلة حتى نرى النظام الجديد .

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-